يقولون أن السودان مصاب بعلة مزمنة إسمها إدمان الفشل ،هناك من الصقها بالنخب السياسية وبعضهم إتهم بها جماعة المثقفين وقادة الرأي العام وطﻻئع الطبقات المستنيرة ،ولكن الحقيقة والواقع يقولان بأن إدمان الفشل صفة تلتصق بالسودانين المقيمين داخل حدوده ، وهي علة سرعان ما يتعافي منها من يسعدهم الحظ بالهجرة للعمل خارج البلاد ،ومن يذهبون إلي ان الفشل يلتصق بالسودانيين داخل وطنهم فقط ، يسجلون ملاحظتهم بأن الفشل سرعان ما يفارق السودانين خارج الحدود ، و يستدلون بكثير من النماذج واﻷدلة الدامغة ، فالسودانيون لهم قصب السبق في نهضة دول الخليج وتأسيس نهضتها (وإن تنكر بعضهم لدور ابناء السودان) كما لهم مساهماتهم المشهودة في المنظمات الدولية وعدد من الدول اﻷروبية ،ثم انهم اصحاب ارث حضاري عظيم لا يستطيع أحد إنكاره أو اﻹعتراض عليه، وهذا ينفي الرأي الذي يتمسك اصحابه بأن الفشل عند السودانيين ملتصق بالجينات ، وحجتهم ان الصفة الجينية لاتتغير ، فلايعقل ان يسجل السودانيون تفوقا ونجاحا مشهودا خارج وطنهم ،ثم تتلبسهم حالة إدمان الفشل داخل بلادهم ،فقد حكي استاذ جامعي ذهب لﻹستشفاء في المملكة الاردنية الهاشمية أن الطبيب اﻷردني صاحب المستشفي ، كان يتابع حالته بنفسه حتي تماثل للشفاء ، وشاءت الظروف ان يدخل معه في ونسة بعد ان عرف انه استاذ جامعي يحمل درجة الدكتوراة ، ليطرح عليه الطبيب اﻷردني سؤالا مباشرا:-( هناك سؤال لا اجد له إجابة وهو لماذا يفشل زملاؤنا السودانيون في علاج حالات مرضية لاتعجزهم وهم استاذتنا في مجال الطب وهم اﻷوائل علينا ونحن طلاب في اشهر كليات الطب في دول العالم؟؟) يواصل اﻷستاذ الجامعي تذكرت حينها كتاب دكتور منصور خالد (النخب السودانية إدمان الفشل) ولكن لم استطع اﻹجابة علي سؤال الطبيب اﻷردني ، بل قلت له سؤالك هذا يحيرني انا ايضا وهو موضوع مهم يحتاج دراسة وتمحيص لمعرفة الحقيقة.
▪️وإذا كان هناك اجماعا بأن إدمان الفشل واقع يعاني منه السودان عبرحقب الحكم منذ اﻹستقلال ، فإن المؤشرات جميعا تتجه نحو اﻹقتناع بتلوث بيئي مستوطن تصطدم به كل محاولات التغيير وكل جهود بذلت لتأسيس وطن ناجح ، بينما تزدهر فيه عوامل التثبيط والفشل ،فإذا كان دكتور منصور خالد (عليه رحمة الله) ومن اتفق معه قد الصقوا صفة إدمان الفشل بالنخب فقط فالسؤال الحتمي هو لماذا تفشل النخب ؟ وماهي أسباب فشل تلك النخب ؟ ثم إذا سلمنا جدلا بأن النخب يشكلون عائقا أمام الشعب ، فمن أين يتسلل الفشل إلي مواطن الريف والقطاعات التي لا تقع تحت دوائر تأثير النخب ؟؟ فالنخب المتهمة بإدمان الفشل هي نفسها تشكي لطوب اﻷرض من الفشل المفروض عليها، وأنها هي نفسهاضحية مثل أي مواطن آخر ، فالنخب أدمنت الفشل تحت تأثير أسباب أقوي منها .
▪️ إقترب مني مرة شاب متهم بحالة من الجنون الهادئ وباغتني بسؤال 🙁 قالوا ان ابليس كان مطيعا وذاكرا لله ولكنه بدا عصيانه عندما أمره الله بالسجود ﻵدم الكلام دا لاقاك ؟؟ قلت له نعم فصدمني بسؤال مكمل لحديثه ومن أغوي ابليس وضلله ليخرج من حالة الطاعة إلي العصيان؟؟ نظرت إليه مندهشا ، فواصل كلامه وكأنه قد قرأ عجزي عن اجابته قائلا: من اغوي إبليس هوالشيطان) عندها قلت له ابليس هو الشيطان نفسه فرد وبإستهزاء لا لا الشيطان هو قرين ملازم لكل احد من اﻹنس أو من الجن ) عندها اصبت بدهشة فقرأ علي (قل اعوذ برب الناس ملك الناس إله الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنة والناس)ترك ذاك الشاب في ذهني إستفهاما كبيرا ومضي ، بعد ان تاكدت بانه شاب مجذوب وليس مجنون كما قيل.
▪️ مما سبق يبدو قريبا من الحقيقة أن اهل السودان نخبه وعامته يسيطر عليهم شيطان يلازمهم ويدفعهم إلي إدمان الفشل وهو شيطان وسواس مركب من الثقافة السالبة واﻷعراف والتقاليد الوهمية الممزوجة بالحسد .
وذلك هو الشيطان أو القرين الذي يسطر علينا ويشكل بيئتنا التي تمنع الناس من إدمان النجاح وتحبسهم في دائرة إدمان الفشل…
فالتخلص من الفشل يبدأ بثورة في الثقافة وتصحيح للتقاليد و حملة متصلة ﻹعادة تأهيل تطالنا جميعا تعالجنا من إنتكاسة النخب واﻹنفصام النفسي للدعاة وقادة التغيير.
صحيفة التحرير