يستغل بعض العلمانيين ثورة ديسمبر التي أطاحت بحكم الكيزان الاسلاميين، وسيلة لتطبيق العلمانية، باعتبار أن الحكم الكيزاني أقام حكما دينيا انتقاميا، وأن الوسيلة لمنع ذلك مجددا هي منع الدين من الوجود في الدولة وتطبيق العلمانية. وهذه مقاربة خاطئة تماما كما سنوضح.
الدكتور علي الحاج رئيس حزب المؤتمر الشعبي ذكر في لقاء تلفزيوني بعد انتصار الثورة بانه يؤيد العلمانية، وهذا يعني أن الإسلاميين الذين يظن بعض العلمانيين أنهم سيولولون من العلمانية لا يمانعون من وجودها.
ومن الجيد تذكير اليساريين العلمانيين بأن الإسلاميين يحكمون الان تركيا العلمانية وحكموها لسنين طويلة، لذلك العلمانية نفسها ليست وسيلة لمنع الأحزاب ذات الانتماء الإسلامي من الوصول إلى الحكم.
كذلك حزب النهضة المعروف بانتماءه للاسلاميين وصل الى سدة الحكم في تونس العلمانية، وللنيل منه أضطر المعادين له إلى ذبح الديمقراطية والانقلاب عليها من أجل الانقلاب على حزب النهضة!!
كل هذه دروس توضح ان العلمانية الغربية ليست وسيلة مثالية لاقصاء الاحزاب الاسلامية عن قيادة الدولة، كما يظن بعض المندفعين بحماسة خلف تأييد الحلو وعلمانيته، بل قد يكون إقرار العلمانية نفسه مدخلا للأحزاب الاسلامية لاستعادة قبول الناس. وهذه قضية اتمنى ان يعيد اليساريون العلمانيون مناقشتها بتجرد.
لا تنخدعوا بعلمانية الحلو، فهو لا يريدها لذاتها وإنما يريدها كسلم يرتقي به إلى الانفصال، الرجل له طموح في ان يحكم دولته المنفصلة وان يصبح له تمثالا كجون قرنق وان يصير رمزا لدولة النوبة الجديدة في جبال النوبة، ولا يهتم بالعلمانية لا من بعيد ولا قريب، أم نسي الجميع انه شارك في حكم الكيزان الإسلاميين وصار نائبا للوالي احمد هارون في جنوب كردفان؟!!
لفائدة المخدوعين بالحلو وبرغبته في العلمانية أقول حتى وان تم تطبيق العلمانية في السودان، فإن الحلو سيتمرد مجددا على الدولة المركزية، فالرجل لا يريد وحدة ولا الذين من خلفه من منظمات كنسية ومجموعات يهودية يريدون وحدة السودان وإنما يريدون تمزيق هذا الوطن الجريح، وزرع دولة جديدة في عمق أفريقيا تدار بالريموت كنترول من هناك، من بلاد ما وراء البحار.
العلمانية نشأت في أوربا لأن حكامها ظلوا لقرون عديدة يحكمون بأسم الله، كان البابا هو المفوض من قبل الله بترتيب كل شيء في الدنيا، وما يقوله لا يمكن عصيانه، وهي صورة كهنوتية لا وجود لها في الاسلام، النبي عليه الصلاة والسلام نفسه كان يشاور أصحابه في القضايا الدنيوية، لذلك لا علمانية مع الاسلام، يعطي الإسلام الحقوق كاملة في الدولة وفي الحياة للكل مسلمين وغير مسلمين.
استغرقت أوربا مئات السنوات قبل أن تطبق العلمانية، عاشت في ظلام دامس وفي عهود بربرية قاتمة حكمها فيها البابوات والحكام الدمويين بيد من حديد، لذلك كان عليها ان تتحرر من قبضة الدين المكلفة، وساعدها في هذا التحرر النور الوافد من الشرق، نور الافكار الاسلامية، التي لا ترهب أحدا على اعتناق الإسلام ولا تبشع بالانبياء السابقين ولا تجعل الحاكم ولا العلماء فوق عامة الناس، وإنما تثبت أن الحاكم والعالم مجرد بشر وليس آلهة، يمشون بين الناس في الأسواق ويأكلون الطعام ويموتون.
صحيفة السوداني