كشفت مصادر مطلعة في القصر الجمهوري، عن زيارة مرتقبة، بعد غداً الأحد، لرئيس المجلس العسكري الحاكم في تشاد محمد إدريس ديبي، للعاصمة الخرطوم، لبحث عدة ملفات أبرزها تشكيل قوة عسكرية مشتركة مع تشاد والنيجر لمنع حركات المعارضة من زعزعة الأوضاع في الدول الأربع ومنع تكرار سيناريو مقتل والده، إدريس ديبي.
وقال مصدر في السودان لـ”القدس العربي”: سيصل الأحد رئيس المجلس العسكري الانتقالي التشادي إلى الخرطوم في زيارة رسمية، وهي الأولى له منذ تسلمه الحكم بعد مقتل والده رجل تشاد القوي، إدريس ديبي هذا العام، يرافقه وفد وزاري كبير يضم عدداً من الوزراء وكبار المسؤولين في الحكومة والجيش والأمن التشادي، وسيلتقي قادة السلطة في القصر الجمهوري ومجلس الوزراء، وبعض الفعاليات السياسية من الحركات الموقعة على سلام جوبا من دارفور”.
ملفات عديدة
وتابع، دون كشف هويته “سيتم تبادل الآراء والوقوف على وضع الانتقال في البلدين، والعلاقات الثنائية، ولكن بتركيز أكبر على الأوضاع في الجارة ليبيا التي فها مجموعة مقاتلين مرتزقة من عدة دول، باتوا يشكلون خطرا بعد قرار السلطات الليبية إخراجهم من أراضيها، ومسألة القوة المشتركة مع ليبيا بجانب ملفات الإرهاب والوضع الداخلي في تشاد ودارفور على وجه الخصوص”.
وقال المحلل السياسي التشادي، محمد حسين لـ”القدس العربي”: ” ديبي يريد أن يستفيد من التجربة السودانية في الانتقال، كما يريد تثبيت أقدامه في الحكم في إنجامينا، وضمان استمرار الدعم السوداني، الذي قاد لاستقرار حكم أبيه حتى وفاته، إلى جانب التحرك للعب أدوار إقليمية كبيرة عبر ليبيا التي قدمت منها قوات المعارضة واشتبكت مع الجيش التشادي، وقتلت والده. هو يريد إغلاق هذا الباب بشكل نهائي”.
ونقل بيان الرئاسة التشادي عن ديبي قوله خلال لقائه نائب رئيس المجلس الرئاسي الليبي موسى الكوني أمس إنّ “تشاد تؤيّد مبادرة إعادة إحياء الاتّفاق الرباعي بين ليبيا والسودان والنيجر وتشاد، من خلال تشكيل قوة مشتركة على طول حدودها”، للحيلولة دون توغّل جماعات متمرّدة على غرار ما حصل في أبريل الماضي ما أدّى إلى مقتل الرئيس إدريس ديبي.
وأضاف أنّ “بلادنا ملتزمة بقوة بأداء دورها في مساعدة الشعب الليبي، لكن في المقابل فإنّ تشاد تأمل بقوة ألا يزعزع المرتزقة والعصابات المسلّحة التي تجوب ليبيا استقرار الدول المجاورة لها”.
وكانت الدول الأربع وقّعت في 2018 اتفاقية تعاون أمني لمكافحة الإرهاب والإتجار بالبشر، لكنّ هذا الاتفاق لم يمنع انتشار قوات شبه عسكرية في جنوب ليبيا وتوغّل متمرّدين تشاديين من الدولة العربية الغارقة منذ 10 سنوات في الحرب والفوضى وتقدّمهم في اتّجاه العاصمة نجامينا.
وقال الزعيم التشادي في المؤتمر الصحافي عقب اللقاء إن بلاده “تمر بمرحلة انتقالية صعبة تشبه تلك التي تمر بها ليبيا، لذلك فإن الفهم المتبادل سيسمح بوضع اليد على الجرح والعمل معا، اليد في اليد، من أجل الوصول إلى حلول ناجعة”.
وأكد إلتزام بلاده “تجاه الشعب الليبي ومساعدته لإخراج القوات الأجنبية من أراضيه، حتى لا تتكرر الأحداث الدامية التي دارات قبل مأساة مقتل والده (الزعيم التشادي)”.
وأشار إلى أن “تشاد تدعم الاتفاق على تفعيل الاتفاقية الرباعية، خاصة ضرورة تكوين قوة مشتركة لحماية الحدود”، موضحا أن “المسائل الإقليمية يجب أن تحل من قبل المعنيين أنفسهم ولا يجب انتظار الحلول من الخارج”.
وأوضح أن “تأمين الحدود المشتركة وحل إشكاليات الهجرة والعمليات الإجرامية والمتاجرة بالبشر سيكون المقدمة الضرورية لأي استقرار وسلام في المنطقة”، معلنًا في هذا الصدد عن اتفاقه مع الكوني على “إطلاق مشاريع الشراكة فيما يخص التنمية والتعاون الثنائي وتفعيل الاتفاقية المشتركة”.
ووفق وكالة الأنباء الليبية، الكوني وديبي “اتفقا على ضرورة إخراج الفصائل المسلحة التشادية من الأراضي الليبية”. وقالت إن اللقاء بين المسؤولين “تناول مختلف القضايا ذات الاهتمام المشترك، خاصة ملف أمن الحدود، وإخراج الفصائل المسلحة التشادية من ليبيا”.
وذكرت أن الكوني وديبي اتفقا على أن “استمرار وجود هؤلاء في الجنوب الليبي يشكل تهديدا وخطرا على أمن واستقرار ليبيا، كما هو تهديد لأمن واستقرار تشاد”. ودعا الطرفان إلى “ضرورة تفعيل الاتفاق الأمني الرباعي الذي جرى توقيعه بين دول تشاد وليبيا النيجر والسودان، الذي يفصل آليات تكوين قوة مشتركة لحماية الحدود المشتركة، تسهم في سد الطريق أمام الإرهاب والجرائم الأخرى العابرة للقارات، كالتهريب والإتجار بالبشر أو الهجرة غير الشرعية”.
وأعرب الطرفان، حسب الوكالة الليبية عن “إمكانية التوقيع على اتفاقات ثنائية جديدة في إطار هذه الاتفاقية الرباعية، وبما يسمح بمعالجة الأوضاع العاجلة أو ذات الطبيعة الخاصة بالبلدين”.
الكوني لفت إلى “العمل الدؤوب للمجلس الرئاسي وحكومة الوحدة الوطنية باتجاه توحيد مؤسسات الدولة، ونزع فتيل النزاع، وفتح الطريق الساحلي، وتوحيد مصرف ليبيا المركزي، وإرساء دعائم الاستقرار والأمن ووحدة البلاد”.
واستدرك في كلمته قائلاً: “تبقى أمامنا جملة من التحديات الكبرى التي لن تسمح بثبات هذه الإنجازات إن لم نواجهها بحلول ناجعة، من بينها التحديات الأمنية التي تواجهون بدوركم تحديات مشابهة لها، بل ثمة قضايا مشتركة تحتاج لحل مشترك وتعاون مشترك لاقتلاعها من جذورها”.
التحدي الأمني
وأضاف أن زيارته الحالية لتشاد “تهدف لمعالجة التحدي الأمني المشترك، والبحث عن آليات ناجعة تسمح بمواجهة الأمر”.
وتابع: “قررنا أن يتواصل هذا التشاور والتكامل الأمني بين الطرفين، ليس فقط في إطار الاتفاقية الرباعية بل الأبعد من خلال اتفاقات ثنائية مضافة قد نحتاجها في سياق عاجل أو خاص، وتكون لها خصوصيتها فيما يخص البلدين”.
وزاد أن “تشاد وحدها من يملك مفاتيح اللغز لفهم تركيبة وطبيعة الفصائل التشادية المسلحة التي تهدد الأمن الليبي كما الأمن التشادي، فهؤلاء يعبرون الحدود نحو ليبيا ويعبثون بأمنها ثم يعودون إلى داخل الأراضي التشادية”.
وضاعف محمد إدريس ديبي مؤخّراً بوادر الانفتاح على الجماعات المسلّحة المتمرّدة، داعياً الجميع إلى المشاركة في “الحوار الوطني الشامل” المفترض أن “يجمع كلّ التشاديين لتشكيل دولة يسودها السلام”.
كما وعد “باتخاذ إجراءات ملموسة فيما يتعلّق بالعفو والإفراج عن أسرى الحرب وإعادة الممتلكات ودمج المسلّحين” في الجيش التشادي.
وكانت الحكومة التشادية أعلنت السبت أنّها ستخفّض إلى النصف عدد جنودها العاملين في إطار القوة المشتركة لمكافحة المتطرفين التابعة لمجموعة دول الساحل الخمس والمنتشرين منذ فبراير في “منطقة المثلث الحدودي” على الحدود بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو. وأرجعت نجامينا قرارها هذا إلى “إعادة انتشار استراتيجي”.
وإثر مقتل والده في معركة ضدّ جماعة متمرّدة بعد ثلاثة عقود أمضاها في السلطة، أعلن الجنرال محمد إدريس ديبي في أبريل، تشكيل مجلس عسكري انتقالي برئاسته ونصّب نفسه رئيساً للجمهورية، متعهّداً لإجراء انتخابات “حرّة وديمقراطية” في ختام الفترة الانتقالية.
السوداني