لا يحتاج المرء إلى جهد كبير ليهتف شكراً البرهان وشكراً حمدوك ويتحول إلى مؤيد كبير للحكومة الانتقالية الحالية بالرغم من فشلها في كل شيء وضعت أصابعها عليه أو حاولت مقاربته. الأمر في غاية اليسر وهو أن ينظر إلى الطريقة التي تعارض بها قوتي الحركة الإسلامية السودانية النظام الحالي.
نشرت السبت الماضي نقداً لتجربة الشق الأكثر ارتباطاً بالمشروع الإسلامي للشيخ الراحل حسن الترابي ووصفت حزبه، أو بالأحرى ما تبقى من حزبه بالمؤتمر الشعبي التائه.
طلباً للعدالة فإن وصف المؤتمر الوطني ب(الضال) يبدو مستحقاً وموضوعياً بحكم أن محمول الضلال ودلالاته أكثر كثافة من التيه.
ساهم حزب المؤتمر الوطني في اسقاط نظام المعزول البشير بأكثر من أحزاب المعارضة جميعها محاربة ومسالمة فقد عاش الحزب الذي كان حاكماً صراعات عنيفة خصوصاً في الفترة التي أعقبت العام ٢٠١٠م وكانت مجالس المدينة تتغذى يومياً على شائعات الصراع بين مجموعتي علي عثمان ونافع حتى جاء طه عثمان فأبعدهما معاً لكنهما واصلا شقاقهما.
قبل عام كامل من سقوط نظام الرئيس المعزول كتبت ” إن التهديد الأكبر على التجربة السياسية، التي تتركز ببطء وتتقدم بهدوء شديد ومصاعب عديدة، يأتي من حلقات غاضبة أو طامحة أو مستبعدة داخل الحزب الحاكم وعلى هذا الأساس فإن حزب المؤتمر الوطني المعارض هو إسم ممنوح عن استحقاق للحزب الحاكم” (صحيفة السوداني ٩ أبريل ٢٠١٨م).
بعد عام واحد سقط المؤتمر الوطني من فرع الشجرة التي كان يتشبث بها ويعمل فيها فأسه.. يستأهل!
حين سقط نظامه كان الحزب قد أكمل دورته في الفساد والخيبة واعتقد أن بإمكانه التقرب من الجنرالات الجدد وإعادة اللعبة التي لعبوها مع البشير فقدموا أطروحة خائبة كان عنوانها (المعارضة المساندة) وهي فكرة انتهازية تقدم فروض الولاء والطاعة للنظام الجديد ومن الواضح أن الأطروحة نفسها لم تجد الفرصة للنقاش باي مستوى في هياكل الحزب الذي اعتاد الحركة (مردوفاً) على دراجة السلطة فظن ان العمل السياسي هو اللهث لخدمة الحكام وليس السعي إلى الحكم نفسه.
يمكن قراءة المشهد من لمحة سريعة ما بين ما تبقى من حزب المؤتمر الوطني في اسطنبول والخرطوم فالجميع ما زال يصارع الجميع وخطوط الصراع كلها حول المصالحة والمشاركة واقتسام الأموال.
ليس هناك مشروع سياسي يدور حوله نقاش وليس هناك موقف محدد من النظام وإنما هناك انتظار كسول للحظة حاسمة يضيق فيها رئيس مجلس السيادة الفريق أول عبد الفتاح البرهان بمعاونيه المدنيين فيعرضون أنفسهم كبديل جاهز ومستعد لفعل ما عجز عنه المدنيون المطرودون.
ليس من دليل على صدق ما نزعم سوى ما نراه الآن من عجز العشرات من قادة الصف الأول والثاني الذين يعيشون في الخارج أو في الإختباء داخل السودان وليس لهم نشاط سوى القراءة الكسولة لنمائم الواتساب وقصاصات الفيسبوك.
ولعل أسوأ خطاب وجهه الحزب المحظور إلى الشعب السوداني ذلك البيان العجيب الصادر عما يسمى بمجلس الشورى والذي (كذب) قائلاً إن المئات تقاطروا على مكانه من العاصمة والولايات!
جاء البيان زائداً قليلاً عن خمسة آلاف كلمة غير مفيدة لكن أقل عباراته فائدة كانت “قبول التعامل مع التغيير كأمر واقع” والدعوة “الى عودة الفترة الانتقالية الى مسارها الطبيعي”. هذا الموقف رخو بأكثر من موقف أحزاب مجموعة الحرية والتغيير التي تتملق البرهان في الصباح وحمدوك في المساء.
إلى حزب المؤتمر الوطني المحلول: سقط البشير، وهناك شرطي جديد في المدينة لا يحتاج إلى خدماتكم فإما أن ترضوا بإجراءات الحكومة الإنتقالية وتعلنوا طاعتكم لها والسير في ركابها وإما أن تعارضوا بشكل واضح وشريف لكن ليست هناك وظائف شاغرة للخدمة في بوابة السلطان.
محمد عثمان ابراهيم