*عاتبني البعض على انتقادي الحاد لوزير المالية الدكتور (جبريل إبراهيم) في مقالي بعنوان (اضطهاد المسيحيين) لرفضه إدخال الكتاب المقدس بدون تسديد قيمة الجمارك، وهو ما كشف عنه مستشار وزير الأوقاف لشؤون المواطنين المسيحيين ( بطرس بدوي) الذى قال في تصريحات صحفية ان “وزير المالية منع دخول شحنة من الكتاب المقدس من إحدى الدول الأفريقية إلا بعد تسديد قيمة الجمارك والضرائب كاملة”، رغم أن القانون يعفى الكتب الدينية من كافة الرسوم بما فيها الجمارك والضرائب!
*بناء على ذلك التصريح الصادر من مستشار وزير الشؤون الدينية والاوقاف لشؤون كل المواطنين المسيحيين ــ والذى يجب أن يكون ملما بما يحدث في نطاق دائرة عمله، خاصةً إذا كان أمرا مُهماً للغاية مثل امتناع وزير المالية عن دخول الكتاب المقدس إلا بعد تسديد الرسوم الجمركية ــ كتبتُ مقالي منتقدا سلوك الوزير وتمييزه بين مواطني الدولة ومخالفته للوثيقة الدستورية التي أدى اليمين الدستورية على الالتزام بها ..إلخ!
*قلت في المقال أن “وزير المالية يتعمد من حين لآخر استفزاز مشاعر الشعب السوداني والإساءة إليهم وإشاعة الكراهية والغضب والتمييز بين أبنائه، فتارةً يدعو لمصالحة المجرمين والقتلة، وتارة يأتي بتصرفات تهين الشعب وتنتقص من حقوقه الدستورية وكرامته، وتتناقض مع المنصب الوزاري الذي يشغله كممثل لحكومة السودان، وليس لنفسه أو حزبه أو فكره أو طائفته، وتؤلب المجتمع الدولي عليها وتغضبه وتجعله يعيد النظر في التعاون معها” وهو ما فعله عندما امتنع عن دخول الكتاب المقدس إلا بعد تسديد الرسوم الجمركية، في الوقت الذى يسمح لغيرها من الكتب الدينية الأخرى بالدخول بدون رسوم، مما يعتبرا تمييزا بين مواطني الوطن الواحد، وانتهاكاً واضحاً للحقوق وللوثيقة الدستورية التي أقسم على الالتزام بها!
وذكرت في المقال إنني علمت بهذا التصرف الخاطئ للوزير من تصريحات مستشار وزير الشؤون الدينية والاوقاف لشؤون المواطنين المسيحيين (بطرس بدوي)، متسائلا كيف يجيز الوزير لنفسه أن يتحدى الدستور والقانون، وفرض ضرائب وجمارك غير قانونية على الكتاب المقدس بما يعتبر انتهاكا لحقوق المواطنين وخرقا للوثيقة الدستورية!
*وختمت المقال مشيرا الى أن الوزير ــ أي وزير ــ يجب أن يكون مخلصاً وصادقاً في ولائه للوطن يحمي سيادته ولا يعرضه للخطر، وأن يؤدي واجباته بكل مسؤولية وامانة بعيداً عن أفكاره ومعتقداته، ويلتزم بالوثيقة الدستورية ويحافظ عليها ويراعي قوانين البلاد، ولا يميز بين مواطن وآخر، ولا يهن كرامة أي مواطن بسبب عقيدته أو دينه، وان يفهم أن حقوق وكرامة أي مواطن في هذا البلد، مسيحياً كان أم مسلماً أم صاحب أي معتقد آخر، أهم من مليون وزير!
*بعد نشر المقال علق البعض بأن الوزير نفى علمه بالواقعة، وعاتبني البعض منهم الكاتب المرموق (ثروت قاسم) الذى بعث برسالة جاء فيها ما يلى:
” اتابع عمودك لأنه يناقش موضوعات الساعة الساخنة، ويقدم الحلول لبعضها، ولكن تألمت لهجومك غير المبرر والقاسي على معالي الوزير المحترم الدكتور جبريل ابراهيم . كنت اتمنى ان ترجع لمكتب معالي الوزير جبريل ابراهيم لتستيقن من المعلومة التي اعتمدت عليها، حصرياً، في تدبيج هجومك الجارح ضد معالي الوزير، والتي ادلى بها مستشار وزير الشؤون الدينية والاوقاف لشؤون المواطنين المسيحيين، السيد بطرس بدوي، وإدعى فيها ان معالي الوزير قد منع دخول شحنة من الكتاب المقدس من إحدى الدول الافريقية الى السودان!
*ويسهب الأخ ثروت في العتاب ثم يختم رسالته قائلا .. “يلزمك استاذ زهير السراج أن تعتذر لمعالي الوزير الدكتور جبريل ابراهيم لهجومك غير المُبرر والجارح ضد شخصه الكريم، وتقبل تحياتي”. انتهت الرسالة
*وأقول للأخ (ثروت) وللآخرين، إنني لا احمل ضغينة لوزير المالية أو غيره، وليس بيني وبينه خصومة أو معرفة شخصية، بل كنتُ وما زلت من المدافعين الشرسين عن حقوق مواطني الإقليم الذى ينتمى إليه الوزير وانضم للحكومة بعد توقيع اتفاق جوبا ممثلا له بصفته قائدا لإحدى الفصائل المسلحة التي كانت تحارب من اجل استرداد حقوقه وحقوق مواطنيه المغتصبة، ولكنني كتبت وانتقدت ما وقع فيه من خطأ، إعتماداً على تصريحات مسؤول رفيع في الدولة يشغل وظيفة مستشار وزير الاوقاف لشؤون المواطنين المسيحيين، ولم أستقِ معلوماتي من الوسائط او من مصادر شخصية قد تصيب أو تخطئ، أو من اخبار صحفية غير موثوقة، كما ان السيد وزير المالية لم يكن عندما كتبت المقال وارسلته للنشر، قد نفى علمه بالواقعة!
*إن كان هنالك من يلام فهو مستشار الوزير، وليس أنا، علما بأنه لم يصحح حتى هذه اللحظة التصريحات التي أدلى بها ولم ينفها، كما أن الوزير أو مكتبه لم يرسل لي أو لرئيس التحرير نافيا الواقعة أو مصححا، وليس من وظيفتي مطاردة الوزراء والمسؤولين للحصول على تأكيد أو نفى لما أكتبه، كما إنني لا أكتب عن هوى أو غرض، ولا اعتمد على معلومات ضعيفة لأعرض تاريخي الطويل للتشويه والانتقاص، ولا يعنى ذلك إنني أُنزّه نفسى عن الوقوع في الخطأ!
*إذا كان السيد وزير المالية يرى في ما نشرناه أي خطأ، فأبوابنا مفتوحة، وعقولنا مفتوحة، ونحن على استعداد كامل لمراجعة انفسنا، ولكننا نذكِّره أن الذى يحتاج الى تصحيح في المقام الأول هو مستشار وزير الاوقاف، بل هو وزير الاوقاف نفسه، وعلى الاثنين تقع مغبة الخطأ وتحمل عواقبه، وعبء معالجته، مع خالص احترامي لوزير المالية والأخ ثروت والجميع!
صحيفة الجريدة