أحمد يوسف التاي يكتب: لا تِرك ولا سعيد ولا المختَطِفين

(1)
الحقيقة المجردة التي تؤكدها التجارب السياسية في كل العهود والأزمان هي أنك قد تستطيع إقصاء الآخر إلى حين من الدهر، ولكنك لن تستطيع إلغاءه أو إقصاءه أبد الدهر لأن النفوذ السلطوي الذي تتغلب به على هذا الآخر المستضعف لن يظل قادراً على التسلط والاستبداد طول الوقت، كما أن المستضعف لن يظل ضعيفاً أبد الدهر، فتذكر أن الدائرة ستدور على الطغاة البغاة طال الزمن أو قصُر…
(2)
نظام “الإنقاذ” بكل جبروته وسطوته واستبداده وآلته العسكرية وجهاز أمنه الباطش وأبواقه الإعلامية حاول إقصاء الأحزاب التقليدية المنافسة فـ”نتف” ريشها قبل أن يقص أجنحتها، وكمم أفواهها قبل أن يخلع أنيابها وقلّم أظافرها قبل يكسر أصابعها، ولما استيأس منها عاد لـ(حيلة) الحوار الوطني والوفاق والمصالحة الوطنية وشراء القيادات الحزبية واستنساخ احزاب بكاملها وصناعة مقطورات حزبية ومفاوضات متواصلة مع الحركات المسلحة وصولاً إلى سلام التجزئة لإضعافها والتوصل مع هؤلاء وأولئك لاتفاقيات ثم المحاصصات مع هؤلاء وأولئك حتى امتلأت أجهزة الحكم بالمستوزرين والانتهازيين والموقوذة والمتردية…. وقد أدرك “الإنقاذيون” بعد ذهاب السكرة استحالة إقصاء الآخر أو إلغائه فعمدوا إلى تلك الحيل وبعد السقوط المدوي انفض سامر كل هؤلاء منهم …وليس نظام الإنقاذ وحده من فعل هذا وفُعل به ذاك، فقد مرَّ كثير من المتسلطين وشموليي الفكر بمثل هذه التجارب والتسليم باستحالة الإقصاء واللجوء إلى الحِيَل…
(3)
الحقيقة الأخرى التي لا تقبل المراء والجدال هي أن قبول الآخر والاعتراف بحقه في المواطنة والعيش الكريم داخل وطنه وفي التوظيف وشغل المناصب حسب الكفاءة وفي تلقي خدمات الدولة والمساواة في الحقوق وحق التقاضي بالعدل هو المصل الواقي من أمراض التمزيق والتشرذم ودمار المجتمعات طالما أن الناس يعيشون في وطن واحد فلا فكاك ولا مناص من احترام الآخر والإقرار بحقوقه كاملة وإدارة الاختلاف بعدل وجدية دون مواربة أو دغمسة ..
(4)
بعد هذا التمهيد وهذه المقدمات نقول لأهلنا في شرق السودان إن الإنسان العاقل يجب أن يكبح جماح الإحساس بالقوة والثقل والرغبة في التسلط وإقصاء الآخر لأن هذا الانتفاخ والرغبة في التسلط وإبعاد الآخرين من الكِبر والكبر من الشيطان ولن يعود هذا الفعل إلا بتدمير المجتمع وزوال نعمة الأمن… فلا بد أن يقبل كل واحد بالآخر ويقر بحقه … ثم يأتي دور الدولة بعد ذلك لتحديد معايير الكفاءة والأهلية لشغل المناصب، فلا يُعطى هذا وزارة التربية من أجل الترضية والمحاصصة وقسمة الكيكة، ولا يُترك ذاك يصول ويجول كأنه دولة داخل دولة… فالدولة أولاً واحترامها وهيبتها فوق الكل فلا تِرك يهددها ولا اسامة سعيد يستعطفها ولا مناوي يبتزها، ولا “المتمكنين” الجدد من الأحزاب الصغيرة المختَطِفة تختزل سلطتها ونفوذها … فالدولة هي الدولة فوق الجميع رضوا أم أبوا شاءوا أم لم يشأوا، ليكن واضحاً في أذهان الجميع أن عهد الإقصاء قد ولى فإما أن تديروا اختلافكم بطريقة عادلة وحضارية وإما فاذهبوا جميعاً فلتكن الثورة لأصحابها الذين دفعوا غالي الأثمان واسترخصوا الأرواح وتكبدوا المشاق وتحدوا الصعاب وواجهوا آلة الموت الزؤام، فأين كان المتصارعون الآن على جثث الضحايا والفتن، وأين كان أصحاب الأوداج المنتفخة الآن …..اللهم هذا قسمي فيما أملك.
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.

صحيفة الانتباهة

Exit mobile version