لم تسيطر الإنقاذ على مفاصل الدولة بقبضتها الأمنية العسكرية فقط، وإن كانت آلة القمع التي افتتحت بها عهدها وانتهت به هي العامل الفعَّال في إحكام قبضتها، إلا أنه فوق ذلك، كانت سيطرتها التامة على النقابات تمثل السند الفعلي لقبضتها الأمنية.
سياسة التمكين التي أفرغت المؤسسات من الكوادر المؤهلة وغير الموالية لها وإحلالها بكوادر التنظيم كان له الأثر الفعَّال والسريع في إحكام قبضتها على كل مفاصل الدولة.
بعد أكثر من عامين على ثورة ديسمبر ما يزال تأسيس النقابات أمراً بالغ التعقيد. المعركة مع التغيير طويلة وطويلة جداً ولن تكتمل أدواتها إلا بتأسيس النقابات بعيداً عن التنافس الحزبي.
المعركة الحاسمة ينبغي أن تتبناها النقابات التي يعوّل عليها كثيراً في إحداث التغيير الحقيقي الذي دفع الجميع ثمنه مقدماً، والثمن الذي دُفع لأجل هذه الثورة ولا يزال يُدفع ينبغي أن يقابله عمل دؤوب مخلص وحقيقي. المعركة الآن يجب أن تنتقل إلى تأسيس النقابات وهي معركة عصيبة.
تجمع المهنيين الذي أفل نجمه بعد تشكيل الحكومة وتراجع دوره بعد الانقسام المشهد كان بالإمكان لعب هذا الدور التاريخي، الدور الذي تأسس لأجله بناء النقابات.
كانت الفرصة أمام تجمع المهنيين ذهبية بل لا تُقدَّر بثمن، أن يحوّل التجمع بمختلف أجسامه الفعالة هذا الرصيد الثوري لقيادة التغيير وحراسة الثورة عبر النقابات،
لكن هذه الفرصة التاريخية تكاد تتبدد لكن على الدوام يظل هناك أمل، أن تنهض أجسام التجمع كل في قطاعه وأن تتواصل قيادات هذه القطاعات مع قواعدها المهنية وصولاً للتوحد من أجل قيادة التغيير المنتظر.
طوق النجاة القادر على قيادة البلاد إلى استقرار حقيقي بتغيير حقيقي هو ما تؤديه النقابات من دور فعال، وهذا الدور ظهر في تونس بجلاء وكان اتحاد الشغل هو صاحب الريادة.
على أقل تقدير إن تحقق الحد المعقول من الإصلاح داخل جهاز الخدمة المدنية الذي يضم أطيافاً من هذه القطاعات فهذه في حد ذاتها خطوة كبيرة في اتجاه التغيير.
يظل الثابت والذي لا جدال فيه أن هذه الثورة لا تزال تمنح الجميع فرصة ذهبية للإصلاح والتغيير وبتكلفة أقل قبل أن ينهدَّ كلُّ شيء بدأ يتحقق، والثابت أيضاً أن التنظير كثيف والعمل ضئيل.
ولو انخرط كلٌّ في عمله بعيداً عن التنافس والصراعات السياسية لتحققت إنجازات واضحة.
شمائل النور
صحيفة اليوم التالي