كما هو معلوم فأن مجلس الوزراء إعتمد بالإجماع مشروع قانون يقضي بالإنضمام لنظام روما الأساسي للحكمة الجنائية الدولية لسنة ١٩٩٨م وقال رئيس الوزراء د. عبد الله حمدوك في صفحته على (توتير): أجزنا اليوم في الجلسة الدورية لمجلس الوزراء وبالإجماع مشروع قانون إنضمام السودان لنظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية تمهيداً لعقد إجتماع مشترك بين مجلس السيادة والوزراء للمصادقة عليه وأضاف بأن العدالة والمحاسبة هما الأساس الراسخ للسودان الجديد الملتزم بسيادة حكم القانون الذي نسعى جميعاً لبنائه. ((التوقيع)) على ميثاق روما كما هو معلوم ليس جديداً فقد وقعت حكومة السودان على الميثاق في ذات العام ١٩٩٨م ولكن حكومة الإنقاذ الوطني رفضت المصادقة على ميثاق روما للمحكمة الجنائية الدولية ومن أهم الدول التي رفضت المصادقة على ميثاق روما الولايات المتحدة الأمريكية التي هللت اليوم لتوقيع مجلس الوزراء السوداني حيث علقت الخارجية الأمريكية على إعتماد السودان قانون الإنضمام للجنائية بتغريدة على (توتير) جاء فيها (أخبار سارة من الخرطوم: أجاز مجلس الوزراء السوداني مشروع قانون الإنضمام إلى نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية وأضافت الخارجية الأمريكية بكل قوة وقاحة وتبجح بأن المجلس السيادي للحكومة الإنتقالية سيصدق على هذا القرار في جلسة مشتركة تالية) وهذا يعني أن شعارات سودانية ظلت مرفوعة لسنين عدداً من شاكلة (لن يحكمنا البنك الدولي ولن تحكمنا السي آي ايه) أصبحت من الماضي وتم الدوس عليها مع الدوس على الكوز، أي كوز ندوسه دوس؛ وها نحن نعرف من الخارجية الأمريكية قبل أن يجتمع المجلس التشريعي (الغريب من نوعه في العالم) أن حكومتنا سوف تفعل كذا وكذا ولن تفعل كذا وكذا. علماً بأن الولايات المتحدة الأمريكية ترفض رفضاً باتاً التعامل مع محكمة الجنايات الدولية وتمنع قضاة المحكمة من دخول الأراضي الأمريكية وترفض للمحكمة توجيه أي إتهام للجنود الأمريكيين المنتشرين في أنحاء العالم وهم بطبيعة الحال يرتكبون جرائم ضد الإنسانية في العراق وأفغانستان والصومال وداخل الولايات المتحدة الأمريكية نفسها وتقول الولايات المتحدة للناس (أنها تحاكم الجنود الأمريكيين بواسطة المحاكم الأمريكية) وكذلك الحال مع إسرائيل التي ترفض لمحكمة الجنايات الدولية إتهام الجنود الإسرائيليين وهم يرتكبون الفظائع في الأراضي المحتلة.
أما في السودان (الجديد) كما قال رئيس الوزراء والذي صرح قبل إعتماد القانون في مجلس الوزراء لقناة (فرنسا ٢٤) يوم الخميس المنصرم بأن حكومته عقدت مباحثات مع محكمة الجنايات الدولية تشمل مسألة تسليم الرئيس السوداني السابق عمر حسن أحمد البشير وشدد حمدوك على ضرورة أن يرى الضحايا وذويهم تحقيق العدالة وهذا يعني أن القضية منتهية وإعتماد القانون ما هو إلا مبرر لمسألة التسليم وتحصيل حاصل حتى يقال أن التسليم جاء إنفاذاً للقانون الذي سوف تتم إجازته ليطبق بأثر رجعي على المتهمين من قبل محكمة الجنايات الدولية وبمساعدة الحكومة السودانية وعلى رأس من يتم تسليمهم الرئيس السابق عمر البشير والعدد الكلي غير معلوم والإتهام مثلما شمل قادة الجيش السوداني يجب أن يشمل قادة الحركات المسلحة (وعلى حد سواء) وإلا من قتلهم الجيش السوداني وهو يدافع عن الأرض السودانية ضد المتمردين المدعومين من الخارج بشر (نترحم عليهم ونطالب بحقهم في العدالة) ولكن هل من قتلهم المتمردون الخوارج ونهبوا مواشيهم ودخلوا قراهم في مليط وكتم وحمرة الشيخ وغبيش وأم روابة وهجليج ليس بأناس ولهم حقوق متساوية أم أن محكمة الجنايات الدولية تكيل بمكيالين وتعتبر سودانيين ضحايا وآخرين لا قيمة لهم؟ هذه هي الفتنة الإجتماعية بعينها تسوقها محكمة استعمارية غربية. وينشأ سؤال كيف تسني للمجتمع الدولي أن يتعامل في قضية مصيرية تهم السودان والعدالة فيه مع حكومة (إنتقالية) تفتقد للشرعية والتفويض الشعبي وسبق للرئيس الفرنسي ماكرون أن تحدث عن ضرورة أن تكون في السودان حكومة منتخبة حتى يتم التعامل معها في قضايا مصيرية وحيوية كقضية الدين الخارجي. هذه الحكومة وبتأييد من حاضنتها السياسية تريد أن تنتقم من خصومها السياسيين بالتعاون مع ما يعرف بالمحكمة الجنائية الدولية وقد أصدر الحزب الشيوعي السوداني (وهو الذي ظل يدعو لاسقاط حكومة الدكتور حمدوك) بياناً أيد فيه مشروع قانون المصادقة على ميثاق روما الذي أصدره مجلس وزراء الفترة الإنتقالية ودعا لتسليم المتهمين إلى المحكمة ورفض حتى المقترح الذي تقدمت به المحكمة الجنائية الدولية نفسها بأن تتم محاكمة المتهمين بواسطة قضاء مختلط (بين القضاء السوداني وقضاة من المحكمة الجنائية الدولية) . وإذا كانت الحكومة الإنتقالية بشقيها المدني والعسكري غير مؤهلة قانوناً ولا أخلاقاً لتسليم المتهمين إلى لاهاي فأن المحكمة الجنائية نفسها غير مؤهلة لمحاكمة الرئيس البشير التي رفض كل المجتمع الدولي معاونتها في القبض عليه وتسليمه لها (عندما كان في سدة الحكم) وكان يشد الرحال إلى كل دول العالم وتصدر محكمة الجنايات الدولية مذكرات تطالب الحكومات بإعتقاله ولا تتم الاستجابة لها بل كان يجد التكريم والإحترام والمساندة من الدول ومن الإتحاد الإفريقي الذي أصدر أكثر من بيان وقرار في قممه ومناسباته يدين فيه المحكمة الجنائية الدولية ويتهما بأنها محكمة عنصرية وموجهة ضد الرؤساء الأفارقة ولا تحاكم الأوربيين ولا الأمريكيين ولو كانوا جنوداً ناهيك عن كونهم رؤساء دول وحكومات.
ولا يحق للمحكمة الجنائية الدولية محاكمة البشير لكونها خصماً سياسياً له وقال البشير وهو يخاطب جماهير دارفور قولته المشهورة المحكمة وقضاتها ومستشاريها تحت جزمتي وكانت هناك ملاسنات من قبل مدعي المحكمة الأسبق أوكامبو مع البشير مما يضعهم معه في خانة الخصومة السياسية التي تنافى العدالة. وأخيراً القضاء السوداني أين موقعه من الأعراب وهل يفهم من هذا التماهي مع لاهاي أن القضاء السوداني لم يعد راغباً ولا قادراً على محاكمة المتهمين في قضايا نزاع دارفور وهو الذي حاكم الرئيس وحكم عليه بالسجن ولا زالت القضايا مستمرة والقضاة يتعاقبون على الرجل. وإذا كان الغرض هو العدالة فقد تمت محاكمات لكثير من المتهمين فيما يعرف بجرائم دارفور فلماذا لا يتم البناء عليها والاستفادة من التجربة أم أن القضاء يجب ما قبله كما تفعل السياسة والأحزاب السياسية الحاكمة ضد الأحزاب السياسية المعارضة؟ عجائب.
صحيفة الانتباهة