شهدت العلاقات بين السودان وتركيا حالة من الجفاء بعد سقوط نظام عمر حسن البشير على خلفية العلاقة بين الإسلاميين السودانيين والإسلاميين الأتراك، إلا أن انفتاح أنقرة على حلفاء الخرطوم من القوى الإقليمية الوازنة ساهم في تبريد التوتر حيث يتطلع السودان إلى إعادة بناء علاقاته مع تركيا على أساس المصالح لا الأيديولوجيا.
يحاول السودان تصحيح علاقاته مع تركيا وتجاوز فترة دامت نحو عامين من البرود السياسي مستفيدا من رغبة أنقرة في تصويب علاقاتها الإقليمية وتهدئتها مع حلفائه العرب، مصر والسعودية والإمارات، وهو التطور الذي رفع حرجا عانت منه السلطة الانتقالية في الخرطوم بعد سقوط نظام عمر البشير.
عقب زيارة البرهان.. على اي اساس السودان يعيد بناء علاقته مع تركيا؟
وأدى رئيس مجلس السيادة الانتقالي في السودان عبدالفتاح البرهان، يومي الخميس والجمعة زيارة إلى تركيا ، تلبية لدعوة وجهها له الرئيس التركي رجب طيب أردوغان في أبريل الماضي.وقال أردوغان في مؤتمر صحافي مشترك مع البرهان، الخميس، إن بلاده عازمة على تسهيل المرحلة الشاقة التي يمر بها السودان عبر الوقوف بجانب شعبه الشقيق وحكومته، معبرا عن ثقته في أن تبشر هذه الزيارة التاريخية بعهد جديد بين البلدين.
وأعرب البرهان خلال اجتماع تشاوري مصغر في أنقرة رفقة نائب الرئيس التركي فؤاد أوقطاي مع رجال أعمال ومستثمرين الجمعة، عن ثقته بإمكانية رفع حجم التجارة مع تركيا إلى ملياري دولار قريبا.
ويسير السودان مع تركيا على خطى توجهاته مع قطر التي شهدت تطورات نوعية ورفع السودان بعض ممانعاته الرمزية حيال الدوحة عقب قمة العلا في السعودية يناير الماضي التي أعادت ضبط مسار العلاقات بين قطر ودول المقاطعة العربية. ويقول مراقبون إن البرهان شعر بالقلق من نتائج الزيارة التي قام به نائبه الفريق أول محمد حمدان دقلو لتركيا قبل نهاية مايو الماضي وحصل فيها على دعم مادي ومعنوي وتفاهم مع أنقرة على توقيع بعض الاتفاقيات بما يفوق اختصاصاته الرسمية، وخشي البرهان أن يؤدي اقتراب نائبه منها إلى الإيحاء بأن هناك صراعا بينهما، وأن تركيا استطاعت أن تتسلل إلى البلاد عن طريق دقلو. ويضيف المراقبون أن رئيس مجلس السيادة يريد أن يقبض على زمام الأمور الخارجية خاصة في المحكات المصيرية، ويمكن أن يترك بعض التفاصيل للحكومة الانتقالية، وقد أدار العديد من الملفات الإقليمية والدولية، وظهر ذلك مع كل من الولايات المتحدة وإسرائيل ومصر والسعودية والإمارات وقطر وغيرها.
وتبدو العلاقة مع تركيا مختلفة نسبيا حيث تتداخل فيها المصالح الاستراتيجية مع الأفكار العقائدية، إذ يمثل السودان أهمية لأنقرة بحكم جغرافيته السياسية، ولأنه حكم من قبل إسلاميين في عهد البشير وأدى سقوطهم لخسارة تركيا واحدة من الدول المهمة لها مع تزايد اهتمامها بمنطقة القرن الأفريقي.
وتتزامن زيارة البرهان مع تغيرات ظاهرة في الخطاب التركي بشأن مواقفه العقائدية، فقد جرى تخفيف مستوى الدعم المقدم من أنقرة لإسلاميي السودان، وهو ما يجعل مجلس السيادة أقل انزعاجا ومؤيدا للتعاون معها على أمل إيجاد نقاط مشتركة تعيد صياغة العلاقة بناء على المصالح الاستراتيجية.
وأكد عضو مجلس شركاء الفترة الانتقالية بالسودان، يوسف محمد زين، أن الزيارة من مهامها وضع حد للمنغصات التي تمنع إقامة علاقات طبيعية بين البلدين، وعلى رأسها ملف دعم أنقرة للحركة الإسلامية، وهناك توجه لدى مجلس السيادة للمطالبة بالتراجع عن هذا الدعم مقابل فتح مجالات واعدة للاستثمارات التركية في السودان.
وأضاف في تصريح لمصادر مطلعة أن العلاقة مع أنقرة بها الكثير من عوامل الارتياح، وهناك رغبة من جانب السلطة الانتقالية لمناقشة العوامل التي قادت للفتور بشفافية بما يحقق المصلحة الوطنية العليا للسودان لأن سلطته الحالية تبدو منفتحة على الجميع. ومع أن زيارة البرهان تأخذ منحى اقتصاديا لكن ذلك سيكون غير منفصل عن عدد من الملفات الأمنية والسياسية لإحداث توازن بين رغبة أنقرة في استمرار استثماراتها وبين مساعي السودان لضمان عدم وجود تهديدات أمنية مصدرها تركيا.
وقال المتحدث باسم التحالف العربي من أجل السودان (حقوقي) سليمان سري إن الحديث عن إقامة علاقات دبلوماسية طبيعية مع تركيا بحاجة لبعض الوقت لأنها تأوي عددا من أعداء الثورة السودانية المنتمين لجماعة الإخوان، وهناك مستثمرون أتراك في السودان من المطلوبين على ذمة قضايا عديدة لم يجر تسليمهم بعد.
وأوضح أن السلطة الانتقالية لم تقدم ما يثبت جديتها في التعامل مع العناصر المخربة للثورة التي تنطلق من تركيا، ولم تطالب بتسليم أي عناصر متهمة في قضايا داخلية، ولم تمارس ضغوطا حقيقية على أنقرة في هذا المجال، ما يفتح الباب أمام عقد مقارنات عديدة بين الخطوات المصرية في هذا المجال التي أفضت إلى طرد وتسريح عدد كبير من قيادات الإخوان وبين موقف السودان من القضية نفسها.
وأشار إلى أن الصمت السوداني على التدخلات التركية ومحاولات القفز عليها يثير تساؤلات عدة، ويشي بأن هناك أطرافا داخل السلطة تعمل على حماية المصالح التركية، لأن نظام أردوغان يُشهر سلاح دعم أنصار النظام السابق كوسيلة يواجه بها السلطة الانتقالية للحفاظ على مصالحه ومع ذلك يواجه بتجاهل غريب. وتسعى الخرطوم إلى تجنب خوض مواجهة مع أنقرة ومحاولة استمالتها لتخفيف دعمها لإثيوبيا التي دخلت معها في أزمات ساخنة أهمها سد النهضة والخلاف الحدودي ومشاكل ناجمة عن تدفق اللاجئين لأراضي السودان، وربما يطلب البرهان من أردوغان التدخل لمنع تصعيد التوترات مع أديس أبابا مقابل حوافز سودانية.
وشهدت العلاقات بين أنقرة والخرطوم تقدما خلال فترة حكم البشير، وزادت أطر التعاون عقب زيارة أردوغان للسودان في ديسمبر 2017، حيث وقع البلدان 22 اتفاقية ومذكرة تفاهم في مجالات عديدة.
وأثار عزم أنقرة تطوير جزيرة سواكن السودانية على ساحل البحر الأحمر ردود فعل متباينة في ذلك الوقت، لأن تركيا حصلت على تسهيلات لوجستية وعملت على التمهيد لبناء قاعدة عسكرية، وهو ما جرى تجميده بعد سقوط نظام البشير. ويحاول رئيس مجلس السيادة الاستفادة من الخطوط المفتوحة على جهات إقليمية ودولية متعددة لتحقيق أعلى مكاسب سياسية واقتصادية ممكنة تعزز قبضته في الداخل، وتمكنه من توفيق أوضاعه مع جهات خارجية لديها مصالح متصادمة.
(جريدة العرب اللندنية)