زاهر بخيت الفكي يكتب: لن نعبُر بالكراهيةِ يا أحباب..!!
تأخّر خطيب الجُمعة فصعد المِنبر رجُل يضعه البعض في خانةِ المجانين وما هو بمجنون، فقال الحمد لله الذي خلقكم من إثنين وقسّمكُم قسمين فجعل منكم أغنياء لتشكروا، وجعل منكُم فُقراء لتصبروا، فلا غنيكُم شكر ولا فقيركُم صبر ولا كبيركُم ينهي عن المُنكر وقلوبكم مملوءة بالحقد والكراهية لعنكم الله جميعا، قوموا إلى صلاتِكم أيّها المُنافقون.
استبشرنا خيراً ببزوغ فجر المدنية، وسعِدنا أيّما سعادة برحيل من أيقظوا فينا الفتن النائمة، ومن استخدموا سلاح القبلية والجهوية والمناطقية لتدمير العلائق وفتق وتمزيق النسيج المُجتمعي، ومن زرعوا أشجار الغبن واحسنوا رعايتها حتى أثمرت وكان الحصاد ما عشناه من حُروبٍ وصراعات ما زالت جذوة نيرانها مُتقدة إلى يومنا هذا، ولن نستطيع اخمادها إلّا باعمال العقل وزيادة جُرعاتِ الوعي بين الناس، حتى يصل الجميع إلى قناعةٍ بأنّ أرض السودان هي البقعة التي اختارنا المولى باختلافاتنا وتبايُن ثقافاتنا للعيش فيها، لا فضل فيها لأحد على الآخر إلّا بما أنجز، والجميع فيها سواسية.
تمدّدت فينا الكراهية وحرمتنا نعمة الاتكاء على الآخر والاستماع له كشريك أصيل، وللاستمتاع معه بلا تعقيدات في حياة يجب أن نتشارك الحُلو فيها والمُر، ولا نسمح فيها لأصحاب النفوس المريضة من افسادها علينا، وما نُمارسه الأن للأسف نُخصِّب به أرضنا ليرمي فيها المصلحجية بذور الكراهية، ولن نسلم من عواقبها إن لم ننتبه.
الكراهية التي يتحدّث الجميع اليوم عن نبذها وترك الخطاب المشحون بمفرداتها، للأسف مُتجذّرة فينا وقد أفسدت علينا كُل شئ، باعدت بيننا وبين الآخر، والكُل يُمارِسها بشكلٍ أو بآخر، بعضُنا يُطلقها مُباشرة يُبررها بالظُلم الذي حاق به أو بقبيلته أو المنطقة التي جاء منها وله في اطلاقها مآرب أخرى، والبعض الآخر يُغلفها بغلاف كراهيته للنظام السابق، والجميع بلا استثناء يستخدمونها لاستدرار العطف ولنيل المطالب (الخاصة) ويدعوننا في نفس الوقت لنبذها وإيقاف تمددها.
لن تخرُج العُنصرية منّا بالساهل، ولن تتزحزح الدونية التي سكنتنا من مكانها ما لم نرضى ببعضنا البعض ونُشرِك معنا العُقلاء الحُكماء للاتفاق على هُوية واحدة نُلمّلم بها شتاتنا ونبني بها سوداننا من جديد، بعيداً عن هذا العبث الذي ضاعت به ثروات البلاد وكثُرت به الصراعات بين العباد، لن تُبارحنا هذه الكراهية والكبار يستخدمونها لينساق البُسطاء وراءهم لامتطاء ظهورهم والوصول بهم إلى مآربهم الخاصة وأطماعهم الدنيئة، والشواهِد في سودان العجائب على قفا من يشيل.
نقول لكُل طامع في القيادة بأن يبحث عن ما يجمع الناس، وأن يجتهِد في الخُروج للناس بخطاباتٍ تخلو من مُفردات العُنصرية والعصبية المؤدية للكراهية، ويُسارِع في الخروج من إطار القبلية والجهوية الضيّق للانطلاق في فضاءات سودان الغد الرحيبة الخالية إن شاء الله من أمراض العُنصرية المُدمِرة.
وبالكراهية يا أحباب لن نعبُر أو ننتصِر..
صحيفة الجريدة