تعيين ياسر عرمان مستشاراً سياسياً لرئيس الحكومة د. عبدالله حمدوك ، مايزال من الاكثر الاحداث التي تشغل الرأي العام ووسائل الإعلام ، بصورة كثيفة اعادت للاذهان تجربة صديق عبدالله حمدوك المقرب الشفيع خضر الموصوف (بالعراب) وليس بعيداً عنه ماعرف اعلامياً كذلك (بشلة المزرعة) وكبير مساعدي رئيس الوزراء السابق الشيخ خضر..
ويبدو أن عرمان ادرك مبكراً أبعاد مثل هذه التصورات وتأثيرها على مكانة ودور رئيس الوزراء ، حيث كانت اولى توضيحاته لتخفيف حدة التناول الاعلامي قوله إنه كمستشار سياسي ليس بالضرورة أن تعبر كل آرائه عن آراء رئيس الوزراء وأن بعض التفاصيل ربما لاتنسب لحمدوك بصفته الرسمية وإن اتفق معه في الاستراتيجية العامة ، عرمان لم يتوقف عند ذلك بل عمد الرد على الذين قابلوا تعيينه في وظيفة المستشار بانتقادات شديدة ، حيث قال وكأنه يريد تذكير الآخرين ، بانه ينتمي لمشروع سياسي وتجربة ممتدة حين استهل مناسبة الذكرى 16 لرحيل د. جون قرنق الذي عده عرمان صاحب مشروع وطني وربط بين افكاره وأحد شعارت الثورة وميدان الاعتصام (الشعب يريد بناء سودان جديد) .
سمات عرمان :
يتفق كثير من المراقبين أن ياسر عرمان ، يتملك تجربة سياسية مليئة بالاثارة ولافتة للانتباه ، فضلاً عن أنه سياسي ذو مصداقية ، يتقن لعبتها ويجيد عملية التشبيك وبناء التحالفات ومع قدرته على الاحتفاظ باهدافه الاستراتيجية ، فإنه قادر على القفز من فوق التناقضات والسباحة مع التيار إذا تطلب الموقف .
وكما يوصف بأنه يمتلك القدرة على اتخاذ القرار ، فإنه يبدو ايضاً صانع سياسات ماهر ، ومع المامه العميق بالقضايا الوطنية ومهدداته ، يبدو لكثير من السودانيين كقاسم مشترك بين المركز والهامش وعابر للحدود الوطنية لارتباطاته الخارجية والاقليمية الوثيقة والمامه الجيد بشواغل الجوار السوداني وتعقيداته ، ربما هذه الصفات وغيرها هي التي اهلت ياسر عرمان لتولي وظيفة المستشار السياسي باعتقاد المراقبين.
الأولويات الأربع
في اول تصريح له عقب قرار تعيينه ، رسم ياسر عرمان اربع قاضيا قال أنها تمثل اولية دفعته بسبق الاصرار والترصد للقبول بالوظيفة الاستشارية ، اولى تلك القضايا قوله إن رئيس الوزراء حظي بدعم من قبل الشعب السوداني لم يتحقق لاحد سواه منذ الاستقلال. ويمضي عرمان :” نتيجة للانتقال المعقد تراجع ذلك ومن واجب المستشارين العمل للعودة الى الشارع والارتباط الوثيق بقضاياه لان الشعب السوداني هو صاحب التغيير”
أما القضية الثانية فهي العمل على بناء جبهة سياسية وكتلة قوية للانتقال لانه باعتقاد عرمان أن أي انتقال يجب أن يستند على قاعدة اجتماعية واسعة وقيادة سياسية لديها أولويات واضحة ومنسجمة .
والثالثة هي تنفيذ اتفاقية السلام التي جاءت بقضايا مهمة على رأسها عودة النازحين واللاجئين والرجوع الى الريف السوداني وانهاء الحروب في الريف ودعم ما لم يتم من اتفاقيات عبر دعمهم كاملاً للوصول الى اتفاق .
والاولوية الاخيرة الاتجاه لتعيق علاقات السودان بالمجتمع الدولي استناداً على ما يحظى به الانتقال السوداني من دعم اقليمي ودولي كبيرين وصولاً بالشعب الى الديمقراطية والدولة المدنية التي ضحى من اجلها.
مخاوف وتأثيرات
يقول المحلل السياسي ماهر ابو الجوخ ، إن ياسر عرمان لديه المعرفة والخبرة التي تؤهله لشغل وظيفة المستشار السياسي ، لما له من باع وتجربة سياسية تجعل الاستهانة به امرا صعباً .
لكن ماهر يرى أن النقطة الوحيدة التي يمكن أن تضعفه في وظيفته ، أن عرمان طرف فاعل في الحياة السياسية الحزبية اذ يشغل حاليا نائب رئيس حزب.
يضيف ابو الجوخ :” هذا يجعله في نظر البعض في مواقف تحت شبهة العمل لمصلحة حزبه واجندته” كما يمكن أن تجعل منه هذه الصفة الحزبية شخصا غير مقبول لدى الاطراف الاخرى بناء على الصراع السياسي الذي هو طرف فيه .
ويستدل ماهر بنموذج علاقة عرمان مع حركة عبدالعزيز الحلو .
وبشان ما اذا كان سيغير في سياسات رئيس الوزراء بالاضافة ام لا ، يقول ابو الجوخ :” هذا ظهر في موضوع الاتفاق بين الثورة والمجلس المركزي للحرية والتغييرو العمل على توحيد مكونات كتلة الانتقال وهو اتفاق كان عرمان فاعلا اساسيا فيه” .
لن يحدث تأثير
بدوره يقول الصحفي المعارض عبدالماجد عبدالحميد ، أنه لايتوقع أن يحدث ياسر عرمان اي تأثير سياسي من كرسي مستشار رئيس الوزراء لاسباب عديدة من بينها أنه قبل بموقع المستشار السياسي لانعدام الخيارات أمامه حيث أنه لو وجد خياراً افضل لجلس على الكرسي المعني ، ثم أنه عقب عودته وجد أن المعادلة قد تغيرت ، حيث كان في السابق يتعامل بقدر من المثالية وانه شخص لايحب المناصب ويعمل على الاحتفاظ ببريقه بعيداً عن الاختبارات العملية في اي موقع من المواقع وربما كان بمقدوره لعب دور أكبر في مستقبل السودان نفسه لكنه فوجئ بأن الرمال متحركة ، وأن الحلفاء الذين كانوا حولوه تبدلوا وأن الارضية التي كان يرتكز عليها اصبحت غير آمنة ووجد نفسه دون قاعدة سياسية ، فالحركة الشعبية نفسها اختلفت عليه وبالتالي ليس لديه ارضية سياسية يمكن ان تقدمه للأمام بل أنه حتى مع المقربين منه شخصية خلافية .
ويعتقد عبدالحميد أن ياسر تجاوز منصب المستشار السياسي ، واعتقد انه ينوي أن يكون بمثابة الأمين العام للحزب الحاكم حول حمدوك عبر بناء قاعدة او حاضنة سياسية حول حمدوك تكون بالنسبة لعرمان محاولة ميلاد سياسي جديد ويضيف :” ياسر اصبح برغماتي الآن هناك تحالفات سياسية داخلية وخارجية عديدة هو لم يكن يحبذهم ولم يكن يعمل معهم والآن يتقرب منهم”.
تقرير: عبدالباسط ادريس
صحيفة السوداني