إليكم ………………………….. الطاهر ساتي
:: ومن الأخبار المشرقة التي انفردت بها صحيفتكم هذه، كشف القيادي بجنوب السودان إستيفن لوال نقور – لليوم التالي – عن شروعهم في تنفيذ حزمة مشاريع اقتصادية، منها استيراد قطارات، وتأهيل خط السكة الحديد الرابط بين السودان وجنوب السودان، وكذلك النقل النهري بين كوستي و جوبا ..وراقني العنوان الذي اختاره قسم الأخبار لهذا الخبر، بحيث كان (تأهيل السكة حديد بين دولتي السودان للمرة الأولى بعد الانفصال).. !!
:: توقفت عند مصطلح ( دولتي السودان)، الوارد في العنوان، و استحسنته .. وقلت فيما قلت إن كان كل شعب في هذا الكون الفسيح يفتخر بوطنه، فبقليل جهد من الحكومتين، يُمكن لشعبي الجنوب والشمال الافتخار بوطنين، السودان وجنوب السودان .. وليس عصياً على الحكومتين تحويل الحدود بين البلدين إلى (حدود وهمية)، بحيث لا يشعر بها أهل الشمال والجنوب .. ولعلكم تذكرون، كثيراً ما كتبت عن حدودنا مع افريقيا الوسطى، باعتبارها الأجمل من حيث المظهر والجوهر، ولا يشعر بها أهل البلدين ..!!
:: فالسهل رملي على طول حدود بلادنا هناك، وهو الفاصل الحدودي مع افريقيا الوسطى..وأم دافوق السودانية بكثافتها السكانية – العالية والمستقرة – هي التي تحمي الحدود..وفي السهل الحدودي ميادين لكرة القدم، وأخرى لسباق الدراجات، ومراعي على مد البصر، و يلتقي شبابنا وشباب افريقيا الوسطى على تلك الميادين والمراعي، ليقضوا ساعات الرعي و اللعب بأريحية ومحبة ثم يفترقوا بحيث يعود شبابنا إلى دولتنا ويعود شبابهم إلى دولتهم، وحرس الحدود – هنا وهناك – يتابع ويستمتع ..!!
:: فالحدود الجغرافية هناك (وهمية)، والمواطن ينتمي إلى البلدين، والكل تجمعهم السراء والضراء والأسواق والمراعي.. باختصار، مصالح المجتمع – بالسودان وأفريقيا الوسطى – هي التي تحفظ حدود البلدين من معكرات الصفو، ولذلك تصلح حدودنا مع افريقيا الوسطى بأن تسمى بالحدود المثالية، والمطلوية مع كل دول الجوار، وليس الجنوب فقط .. وما لايعلمه سكان وسط البلد هو أن سكان الحدود هم من يدفعون أثمان متاعب الحدود ( موتاً ونزوحاً)..!!
:: متاعب حدودنا مع تشاد وارتريا واثيوبيا في السنوات الماضية هي التي أفقرت المدن والقرى الحدودية وأخلتها من سكانها وجردتها من الانتاج، وتعمير تلك الديار بحيث تعيد بعض سيرتها الأولى بحاجة إلى كثير ( مال وأمان).. واليوم بفضل الله ثم بوعي الحكومات، رغم آثار انتشار جيشنا هناك واسترداها للفشقة، لقد حلت على حدودنا مع اثيوبيا محطات الكهرباء وأعمدتها محل معسكرات الجيشين وأسلحتهما، ومضت طرق الأسفلت إلى حيث تلاقي الشعبين ومصالحهما التجارية..
::فالحدود المثالية هي التي تساهم في إستقرار المجتمعات وإنتاجها وتجارتها وتصاهرها، وبها تطوي الدول ملفات الحرب والنزوح والتهريب .. وكما تفعل حكومة الجنوب، ليت الحكومة السودانية تمضي على ذات الخطى، بحيث تمد الطرق والسكك الحديدية وكل وسائل النقل جنوباً حتى تنعم ( دولتي السودان) بحدود ترسمها مصالح الشعب هنا وهناك، وليس الاستعمار أو الانفصال..!!
الطاهر ساتي
صحيفة اليوم التالي