السيد رئيس الوزراء عبد الله حمدوك غادر منصبه الرفيع في الأمم المتحدة وعاد إلى الخرطوم رئيسا بموافقة أغلبية الشعب السوداني، لم يقم له حفل تنصيب، ولم تكون لجان لاستقباله تستقطع من قوت الشعب من أجل لحظات لا تسمن ولا تغني من جوع، ومن ذهبوا لاستقباله لم يدعهم أحد وانما لوحدهم دافعهم الوحيد هو الاستمتاع بلحظات الحقيقة التي تؤكد لهم أن كابوس البشير قد انتهى، ثم أدى حمدوك القسم وتسلم مهامه الصعبة مثل أي موظف وانتهى الأمر.
كنا نريد لهذا النموذج أن يكون سنة يتبعها جميع المسؤولين الذين يتم تعيينهم في حكومة الثورة الانتقالية، التي ما جاءت الا لتؤكد أن المناصب ما هي إلا وظائف لها مدة صلاحية، وعلى من صارعوا بالحق والباطل من أجل الحصول عليها لأغراض شخصية أن يفوقوا لانفسهم، فزمن المجاملة ولى ولن يعود في ظل ايلولة السلطة للشعب الذي هو بحاجة لأي قرش يصرف في بدعة الجلوس على الكراسي في ظل سلطة انتقالية مهمتها تجهيز البلد للديمقراطية، حينها سيعطي الشعب حق التنصيب لمن يفوز بثقته.
اول امس ترأس الأمين العام لمجلس السيادة الإنتقالي، بالقصر الجمهوري، الإجتماع الثالث للجنة العليا للترتيب لاستقبال وتنصيب مناوي حاكما لإقليم دارفور في العاشر من أغسطس الحالي بمدينة الفاشر، واطمأن الاجتماع على الترتيب والإعداد الجيد وعلى عمل اللجان الذي تعرفونه، ولكم أن تتخيلوا قيمة الاحتفال التي ستستقطع من أموال الشعب من أجل لحظات هي بكل المقاييس خسارة قومية، مع أن التنصيب يمكن أن يكون اجمل واقيم إذا تم بشكل غير مكلف وتوجيه قيمته لحل مشكلة أو أزمة من أزمات الوطن الكثيرة ولكن من يأتي من أجل المنصب لا يرى غير بريقها.
الاحتفال بتنصيب مناوي هو مظهر من مظاهر الفساد التي ما زالت الدولة تسمح بها، بل وتشارك فيها مؤسساتها من خلال الاعتداء على أموال الشعب لدعم هذه المظاهر والتبرير لها، فمثلا تبرعت شركة الموارد السودانية للاحتفال بتنصيب مناوي وبررت للامر بانه مسؤولية اجتماعية وقارنته بالتبرع لطوارىء الخريف وحفر الآبار وغيره، ولمزيد من التبرير قال مدير الشركة ان لديهم مبادرة تحت مسمى القومة لدارفور، ولعمري هذا أيضا باب من ابواب الفساد، الشركة عليها إدخال أموال الشعب الى خزينة الدولة حتى لا تحتاج لقومتها لدارفور فهي لا تسمن ولا تغني من جوع، وطبعا هناك مؤسسات أخرى فعلت نفس الشيء، ولكن هذا ما خرج للعلن دون علم شركة الموارد.
عموما ليس هناك ضرورة للاحتفال بتنصيب مناوي أو غيره فهو لم يفز في انتخابات حرة ونزيهة، ولا هو مانديلا زمانه وقائد ملهم وجامع للناس، فالظروف التي حملته إلى هذا الكرسي يحب أن تجعله يجلس عليه دون اعلان، ولكن ماذا نقول غير (صحي الاختشوا ماتوا)، ولكن مطلوب من أهل دارفور رفض فكرة التنصيب البذخي، صحيح هناك مشكلة السند القبلي التي ترى الأمر مكسبا، ولكن لابد من موقف يؤكد رفض الناس لاستمرار مظاهر الفساد فالسكوت عليها فساد أكبر.
صحيفة السوداني