إغلاق المحال التجارية.. وأداء الصلاة

اتخذ اتحاد الغرف التجارية السعودية مؤخرا قرارا يسمح للمتاجر والمحال أن تظل مفتوحة في أوقات الصلوات الخمس، ناسخا القرار الصادر من “هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر” قبل 34 عاما (أغسطس 1987)، الذي كان يجبر المتاجر والمقاهي والمطاعم ومحال البقالة ومراكز التسوق والصيدليات ومحطات الوقود على الإغلاق لما لا يقل عن 30 دقيقة، عند كل صلاة.

وأوضح المنشور الصادر عن الاتحاد أن القرار يأتي: “تفاديا لمظاهر الازدحام والعمل بالتدابير الوقائية من فيروس كورونا وللحفاظ على صحة المتسوقين” مؤكدا على: “اتخاذ الإجراءات المناسبة لتنظيم العمل، وتقديم الخدمات والتناوب بين العاملين، بما لا يتعارض مع أداء العاملين والمتسوقين والعملاء للصلوات”.

قبل الخوض في مناقشة قرار الإغلاق، من الناحية الدينية أو السياسية أو مقتضيات العمل، نشير إلى أن قرار الإتحاد بالسماح بفتح المحال في أوقات الصلاة لا يجب النظر إليه بوصفه أمرا اقتضته ظروف جائحة كورونا، بل كونه خطوة ضمن خطوات عدة أخرى في سلسلة الإصلاحات الدينية والاجتماعية والاقتصادية التي يتبناها ولي العهد السعودي من خلال رؤية “السعودية 2030”.

وكان ولي العهد أوضح، في مقابلة فارقة مع التلفزيون السعودي في أبريل الماضي، أن رؤيته لقضايا الشريعة الإسلامية والتجديد الديني والتراث تنبع من كونها قضايا هامة ومتداخلة مع الرؤية الاقتصادية والسياسية التي يطرحها لتشكيل مستقبل بلاده، ذلك لأنه يصعب تحقيق أهداف تلك الرؤية دون وقوع نقلة كبيرة في الخطاب الديني والقوانين والتشريعات، تسمح بحدوث الانفتاح والمواكبة التي تسعى لها حكومته.

لا يوجد نص قرآني، أو حديث صحيح، يأمر بإغلاق المحلات التجارية لأداء الصلاة، فليست صلاة الجماعة شرطا لصحة الصلاة، كما أن الصلاة في المسجد لا تمنع صلاة الجماعة في أي مكان آخر، وما قررته هيئة الأمر بالمعروف كان أمرا مرتبطا بالتقاليد الصارمة التي أرستها المدرسة الوهابية السلفية، وليس جزءا من الدين، وليس أدل على ذلك من أن هذا التقليد لا يوجد في أي دولة إسلامية سوى المملكة السعودية.

إن من حق المسلم أن يؤدي صلاته في أي مكان، وفي الوقت الذي يختاره، دون أن يتجاوز وقت الصلاة المحدد، ولا يجوز إجباره على أن يصلي فرضا من الفروض في أول الوقت، أو منتصفه، أو آخره.

ويستند دعاة الإغلاق الجبري للمحال التجارية في تبرير دعواهم على عدد من الروايات المتقاربة عن ابن عمر، وابن مسعود، وسالم بن عبد الله، جاء في إحداها: رأى ابن مسعود رضي الله عنه قوما من أهل السوق حيث نودي بالصلاة تركوا بياعاتهم ونهضوا إلى الصلاة، فقال: هؤلاء من الذين ذكر الله في كتابه :(رجال لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله).

لا شك أن الاستشهاد بمثل الرواية أعلاه، (إذا ثبت صحتها)، يتغافل عن حقيقة أنه لا يوجد إكراه في الأمر، فالرجال الذين تركوا بياعاتهم كما هو مذكور فعلوا ذلك من تلقاء أنفسهم، وهو ما يتماشى مع قرار اتحاد الغرف الأخير كما فهمه كاتب هذه السطور، فالقرار ينص على “السماح”، وليس فيه “إلزام”، بإغلاق أو فتح، مما يتيح حرية الاختيار لأصحاب المتاجر.

كذلك يستند دعاة الإجبار على إغلاق المتاجر من الوهابيين على الحجة التي تقول إن الحاكم راع للأمة ومسؤول عنها يوم القيامة (كلكم راع وكلكم مسئول عن رعيته)، وأن من أهم وظائف الحاكم ومسؤولياته التي يجب أن يرعاها ويحرص عليها هي أن يقيم دين الأمة ويحافظ عليه، وعلى الرعية طاعته في ذلك وعدم مخالفته.

إن الرد على المنطق أعلاه يكون من داخله وباستخدام ذات الحجة الواردة في تبرير الإكراه على الإغلاق، إذ أن الحاكم (الدولة)، الذي أقر إلزام المحال بالإغلاق، هو الذي ينادي اليوم بعدم إلزامها بالقيام بذلك، ففيم الاعتراض إذاً؟

من جانب آخر فإن قرار الإجبار على قفل المحال يتسبب في الإضرار بمصالح الناس، فهذا شخص مريض يحتاج لدواء عاجل لا يستطيع الحصول عليه إلا بعد فتح الصيدلية، وذاك آخر يضطر للوقوف في صف طويل لملء سيارته بالوقود، وثالث يُكره على الانتظار في باحة البنك حتى يكمل معاملته المالية المستعجلة.

كذلك يؤثر الإغلاق بصورة سلبية على مختلف المجالات الاقتصادية في البلاد (صناعية، وتجارية، وإدارية، وخدمية) لأنه يتسبب في ضياع المئات من ساعات العمل في دوائر الحكومة والقطاعين العام والخاص.

المنهج الذي تتبناه جماعات الوهابية المتشددة في التصدي لقضايا الدين يشوبه خلل أساسي يتمثل في أنهم يعتبرون “المنع القانوني” معياراً للنجاح في محاربة ما يصفونه بالظواهر السالبة، ومن ثم يفترضون أن علاج الظاهرة موضوع المنع قد اكتمل، حتى ولو كانت نتيجة ذلك المنع هي عدم الوفاء بالغرض الأساسي.

وقد أثبتت التجربة أن أصحاب المحال يضطرون لإغلاق متاجرهم خوفا من عقوبة رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر لكنهم في الغالب لا يذهبون للصلاة، إذ يكونوا، وزبائنهم، متواجدين داخل المحال المغلقة في انتظار فتحها لينتفي بذلك الغرض من الإغلاق، وهو الذهاب للمسجد!

يبدو جليا أن السعودية ماضية في تطبيق رؤيتها الإصلاحية في مختلف المجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية، وهى بلا شك رؤية مغايرة لما هو سائد الآن، وبما أن التغيير يبدأ أولاً في العقول فإنه لا يمكن تصور تحقيق أي نتائج لتلك الرؤية دون نظرة تجديدية عميقة لقضايا الدين والتراث، خصوصا أن المملكة تتبنى أكثر المذاهب الإسلامية محافظة، واستعصاءً على التغيير ومواكبة العصر.

بابكر فيصل
صحيفة السوداني

Exit mobile version