في مارس الماضي قام دولة رئيس مجلس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك بزيارة لمنظومة الصناعات الدفاعية بمجمع اليرموك الصناعي، وكان في استقباله وزير الدفاع الفريق ركن يسن إبراهيم يسن ، وتفقد حمدوك خلال الزيارة عدد من المصانع بمجمع اليرموك، ومعرض الصناعات الدفاعية تعرف من خلالها على القدرات الصناعية للمنظومة.
وكان وزير الاعلام والناطق الرسمي باسم الحكومة الاستاذ حمزة بلول، صرح خلال مؤتمر صحفي عقده عقب الزيارة، بأن منظومة الصناعات الدفاعية تقدمت بمقترح تقسيم المنظومة الى اتجاهين، إتجاه يهتم بتطوير الصناعات الدفاعية، واتجاه لتطوير الصناعات المدنية، والتوافق على انشاء مجلسين، مجلس للتنمية الصناعية ويراسه وزير الصناعة ويشرف على الصناعات المدنية للمنظومة ومجلس تمويل واستثمار برئاسة وزير المالية يشرف على تحويل المنظومة المدنية الى شركات مساهمة عامة بشكل تدريجي
وانتهت صلاحية الحديث وقيمته بانتهاء أصداء الزيارة ولم يصدر حتى الآن قراراً لا بتقسيم المجموعة او بأيلولتها الى مصفوفة الشركات المدنية ، بل ظلت المنظومة الدفاعية كما هي تحت سيطرة المكون العسكري كما يشاء ويريد ، وعملية تصفية الاستثمارات التجارية العسكرية أو تجريدها، او نقلها إلى السيطرة المدنية، تمر بمنعطفات عديدة اولها بالتعقيد وثانيها البطء والتلكوء المتعمد.
ويتّسم إتقان هذا المهمة بأهمية حيوية وقصوى بغية تجنّب الإخفاق التجاري للشركات التي يتم نقلها إلى ملكية الهيئات المدنية تجاريًا، وعجزها عن تلبية الآمال بزيادة الجباية الحكومية ، وهو الامر الذي كلما طُرح يثير ردود فعل سياسية سلبية تجاه القوات المسلحة التي لايعجبها ابداً دمغها بالمراوغة .
وبالأمس جدد وزير الصناعة إبراهيم الشيخ استخدامه للخطاب السياسي العاطفي الذي لاعلاقة له بما يدور في الواقع قائلاً (إن منظومة الصناعات الدفاعية وجدت لتبقى، ولن يسمح لأية جهة أن تستهدفها بأي شكل من الأشكال ) لجهة أنها تمثل الأساس لصناعات متقدمة، ودعا للعمل على إيجاد الكيفية المثلى للتشبيك بين الحكومة المدنية والمنظومة من أجل النهوض بها لكي تسهم في نمو الإقتصاد القومي ، وأضاف الشيخ لدى اختتام طوافه على كافة وحدات المنظومة والتي انتهت بمنظومة صافات المختصة بمجال الطيران أن المنظومة تزحر بالكوادر البشرية ومقدرات مهولة مؤهلة من أجل مصلحة البلد، حيث تؤسس لصناعات متقدمة.
ولا ادري ماذا يقصد الشيخ بأن المنظومة وجدت لتبقى ولن يسمح لاحد باستهدافها ، الحديث الذي له اكثر من تفسير فقد يفهمه المكون العسكري انه حديثا يصب في مصلحته وان الوزير لايسمح بقرار تقسيم المنظومة وانه يريدها ان تواصل عملها كما هي وقد يجد التفسير شخصا إيجابيا ويفسره ان الوزير في تصريحه قصد انه لايسمح للمكون العسكري بالسيطرة عليها أكثر مما كان .
لكن أياً كان الذي يقصده وزير الصناعة فإن بقاء المنظومة الدفاعية تحت سيطرة البرهان هو الامر الواقع الذي تحاول ان تلتف عليه الحكومة ، وتنأى بنفسها عن دائرة المواجهة فيه ، والذي كان يجب ان تتم معالجته بقرار فوري ، وان تتحقق مسألة نزع الصفة العسكرية عن الشركات التجارية التي ظلت تشكل نقاطاً خلافية في العلاقة العسكرية المدنية خلال الفترة الماضية.
عليه فإن مثل هذه التصريحات الهتافية لن تجدي بعد الآن ، فكثير من القضايا لايصلح معالجتها بالتغافل والتناسي والتهميش ، وان مثل هذه الزيارات تكون لها أهميتها وتأثيرها ان كانت فعلاً ستكون خطوة وبداية لإتخاذ قرار جاد في تجريد المكون العسكري من بزته الاقتصادية ، او حتى تسريح جاد اكثر عمقاً .
أما (العلاج بالتصريحات) لن يفيد شيئاً في مثل هذه الحالات المستعصية التي لن يداويها الوقت ، فإما ان تعود المنظومة الدفاعية بكافة وحداتها وشركاتها الإقتصادية وتدخل ايراداتها خزينة وزارة المالية وإلا أن الحديث عن البقاء يكون ضرباً من ضروب الوهم .. وحياتك الباقية ياسعادة الوزير .
طيف أخير :
عقبتنا دائما سببها أمرين : إما أننا نتصرف دون تفكيـر، أو أننا نستمر في التفكيـر دون أن نتصرف.
صحيفة الجريدة