يقال ان المرأة ذهبت للكوافير ذات مرة ونظرت للمرايا وأبتسمت وارتفعت معنوياتها للسما وعندما عاد الرجل من العمل قالت له الليلة مشيت الكوافير. قال لها بهدوء وعدم اكتراث “ولقيتيهو قافل؟”
ذات الشيء يحدث للحكومة عندما تذهب الى باريس أو تتخذ قرارات اقتصادية إصلاحية وتؤكد لها بعض القياسات انها بدأت تنجح. لكن عندما تقول للمواطن العادي انها اتخذت إصلاحات.. يقول لها “وفشلت مش كدا؟”
كثيرا ما اقول لهم أن عين الرجل السوداني مدربة على رصد “الأحجام” و “الحركات” أولا ولا يعبأ كثيرا للتفاصيل اللونية وخامة الشعر مثلا، حتى شعر الحقيبة لو لم يكن متوازنا بين الشكل والحجم والحركة لما وجد هذا القبول .. ولذلك مفردات على شاكلة “والصدير الطامح زي خليج الروم” تسبب الكهرباء أكثر من “أسود شعرو حالك”!
لأول مرة أشاهد مؤتمرا صحفيا من أوله لآخره والسبب الأساسي أنني مقتنع بالإصلاحات ومشفق جدا على الحكومة ممن يقولون لها “انتو نادي باريس لقيتوهو قافل!”
لم اشاهد اطلاقا برنامج أراضي و أراضي، ولم أشاهد محاكمات البشير ولا غيرها من “الدراما السياسية”، اكتفي بمقاطع الفيديو والتعليقات الساخرة في الفيسبوك لأن تلك أمور تخاطب جمهورها والذي بدأ يضمحل الآن، ولو قلت الحقيقة حول هذه الدراما كما أراها لاقتنع بها عدد محدود جدا!
مؤتمر وزير المالية ومعه محافظ بنك السودان كان بالنسبة لي “فلفلة” اقتصادية جيدة ويخلوا من المبالغات والوعود الخيالية وهذا أمر جيد. استطاع جبريل إبراهيم تكسير اللغة الاقتصادية الدولية إلى وجبة مهضومة ومفهومة ولكن للأسف بالرغم من صحة التوجه الاقتصادي للحكومة والذي جاء متأخرا فإن أي تدهور سياسي أو امني كفيل باجهاض هذا التوجه الجديد، أي تردي اداري، أو خلل و “هبل حزبي” في تعيين الولاة والمسئولين يمكن أن يسبب نزيف للعافية المحدودة التي بدأت تدب في الاقتصاد السوداني، وشهادة المواطن هي المرجع وليس تقارير الصندوق أو مدير المعونة الأمريكية، فالاقتصاد اصلا يسمى “العلم الكئيب Dismal Science “، ويحتاج الى وفاق وطني والتفاف حقيقي حول الإصلاحات والجراحات الصعبة، ويحتاج الى أجواء إيجابية ومساحة أوسع من التفاهم، وكل هذا لا علاقة له بنادي باريس ولا مؤسسات بريتون وودز ولا بنك التنمية الأفريقي ولا غيره، ولا توجد دولة في العالم ترغب في رتق نسيج دولة أخرى .. أي دولة تطمع في تعزيز نفوذها وإغراء وتحريض الطرف الذي يحرسه ضد الطرف الآخر، وتوجد دول حريصة على إبقاء الشرخ الوطني كما هو أو تزيده لو وجدت فرصة.
الوفاق الداخلي شأن داخلي محض تتحمل مسئوليته بنسبة اكبر الحكومة ورأسها وقمة هرمها العسكري والمدني معا، ويمكن تقسيم المسئوليات والتبعات لفظيا ولكن تبقى طريقة “فلنعمل سويا” مجرد أدبيات .. السؤال ما هو القرار الذي يجب أن تتخذه الحكومة لتساعد الجميع على العمل سويا!
شرحت من قبل سبب تأخر القرارات الإصلاحية الاقتصادية ومن يتحمل المسئولية بما يغني عن إعادة ذلك هنا، ولكنني أجدد ذات الذي قلته لشخصيات مهمة في بواكير التغيير قرار اليوم لا يصلح للغد أو ستكون تكلفته أكبر ونتائجه أضعف.
لفت انتباهي بكل وضوح أن وزير المالية يشير إلى أن هنالك قرارات لا بد أن تصدر وبدون تردد وابطاء من بنك السودان والذي يقع تحت مسئولية محافظ البنك وفوقه رئيس الوزراء مباشرة لأنه لا توجد ولاية ولا إمرة لوزير المالية على بنك السودان.
دون تفاصيل حول المطلوب حاليا لاستقرار سعر الصرف من الملاحظ أن بنك السودان اتخذ قرارات منها تمديد عمل البنوك وهنا اقول مجددا لقد كان هذا بالضبط قرار الأمس أو قبل شهر وتأخير تنفيذه خطأ، وأيضا المعالجات الأمنية لم تكن هي البديل للقرارات المطلوبة.
الشجرة تحتاج إلى مياه وسماد ورعاية تربة، نعم تحتاج إلى تشذيب وقص الاغصان التي لا تحمل أوراقا ولا ثمرا ولكن توهم أن “القصقصة” تنوب عن الرعاية الحقيقية الأساسية للشجرة خلل في التفكير.
بجوز لشاب عمرة ١٥ سنة أن يصدق أن خبرا عن اعتقال تاجر عملة يخفض سعر الصرف ولكن اي شخص راشد أو اقتصادي أو حتى “زول سوق مفتح” يعلم أن هذه “سواقة بالخلا” لأن السؤال لماذا يشتري المواطن الدولار ولماذا يشتري رجل الأعمال الدولار؟ وليس ممن وكيف يشتري؟
لماذا لم تتحسن علاقة الحكومة مع قطاع الصرافات؟ قطاع الاعمال؟ ما هي الجوانب والإجراءات والتوجهات السياسية والقانونية للحكومة التي أضعفت هذا التعاون؟ وهكذا!
بقلم مكي المغربي