تلقيت بعض الاتصالات الهاتفية الكريمة من الطرف الآخر في وزارة الزراعة بعد المقالات التي كتبتها عن (أنصرة) وزارة الزراعة أو (حزبنتها) وعن الاقتراب من انهيار (الموسم الزراعي) الذي ندعو الحكومة بكامل هيئاتها ووزارتها أن تمنحه كل الاهتمام – باعتباره (أمناً قومياً) ونجاح الموسم الزراعي هو نجاح لثورتنا … وخلاص من المعاناة وقضاء على الغلاء… وإزالة فعلية للتمكين كما أشرت هنا وتفكيك لنظام 30 يونيو الذي تتمثل تركيبته في الخراب والدمار والفشل والفساد.
نجاح الموسم الزراعي هو تفكيك لنظام البشير.
عودة السكة الحديد لسيرتها الأولى هو تفكيك لنظام البشير.
سودانير ..ومشروع الجزيرة .. ومتنزه المقرن .. والمسرح القومي .. وحديقة الحيوانات.. والجنيه السوداني كل هذه الأشياء في عودتها تفكيك لنظام الإنقاذ.
نجاح الموسم الزراعي ليس هو مسؤولية وزارة الزراعة وحدها – الأمر يعني كل الوزارات ويعني كذلك مجلس السيادة والجيش والشرطة والشعب، والأكيد يعني قبل ذلك كله الإعلام.
الاتصالات والتعليقات التي اطلعت عليها من بعض الإخوة في بعض القروبات (الزراعية) عن المقال الأخير وعن كاتب المقال لا أريد أن أصفها بحالة سيدنا يوسف في قوله عز وجل (وَجَآءُوٓ أَبَاهُمْ عِشَآءً يَبْكُونَ) وأن ذهبوا أبعد من ذلك (وَجَاءُوا عَلَىٰ قَمِيصِهِ بِدَمٍ كَذِب).
أحترم الآراء التي سمعتها من الطرف الذي انتقدته في وزارة الزراعة .. وأتمنى أن يكون هناك عمل وتخطيط كبير للموسم الزراعي كما بشروا به – نحن لا نريد غير ذلك… ولا نقصد غير المصلحة العامة.
لا أعرف أحداً منكم حتى يكون بيني وبينكم (ثار) – كل ما بيننا هو أن لا نكون مثل الذين سبقوكم في الزراعة ورفعوا شعار (نأكل مما نزرع ونلبس مما نصنع) ونهبوا (بَقْلِهَا وَقِثَّائِهَا وَفُومِهَا وَعَدَسِهَا وَبَصَلِهَا ۖ) من معونة منكوبي الأمطار والسيول والفيضانات.
لم تسلم منهم (الخيم) و(الناموسيات) المشبعة وعلب (اللبن والساردين).
(2)
في وزارة الزراعة نحن لا مصلحة لنا مع جهة ضد جهة – غير أن المبدأ الأساسي عندنا في هذه القضية أن نكون إلى جانب (القطاع العام) وصغار المزارعين – وإلا نقف في صف (القطاع الخاص) الذي يمثله أسامة داؤود ووجدي ميرغني وغيرهم من (سلاطين) الزراعة ورجال الأعمال الكبار الذين جعلوا كل صادراتنا الزراعية (علف) و(برسيم).
رجال الأعمال عندما دخلوا لمجال الزراعة استفادوا من عرق المزارعين واستغلوا ظروفهم الصعبة وأوضاعهم المتدهورة ليحصلوا على (حصادهم) مقابل (فتات) قد يكونوا بسببه دخلوا للسجن وظلوا فيه (يبقى لحين السداد) ليسددوا التزاماتهم من حواشاتهم الصغيرة بصلاً وقمحاً وسمسماً.
رجال الأعمال بقدراتهم وإعلامهم وعلاقاتهم واقترابهم من السلطة وتأثيرهم عليها منحوا القروض وجعلوا حتى (البنوك) الزراعية تدور في كنفهم وتلعب لصالح أوراقهم.
لهذا نحن نكتب ونبحث عن حق (محمد أحمد) لو أردناها لمصالحنا الخاصة لكنا في الجانب الذي يقف فيه أسامة داؤود ووجدي ميرغني وغيرهم من أباطرة الزراعة الكبار.
ما الذي يجعلنا نقف مع مزارع كل حصاده في العام (3) جولات قمح؟ ..إن لم نكن نبحث عن المصلحة.
شيء آخر نحن نبقى ضده تلقائياً .. ولا نملك التعاطف معه وهو أن ترد الأمور إلى كوادر ورجالات النظام البائد .. وهم لم يمنحونا طوال (30) سنة غير الفشل (ونأكل مما نزرع) كلام وشعارات – لم نمنحهم فرصة أخرى في فترة حكومة انتقالية جاءت لكنس آثارهم.
كذلك نحن ضد المحاصصات السياسية التي يمكن أن نقبل بها في رأس الهرم لكن لن نقبلها في المناصب التنفيذية والتي يجب أن يتم التنصيب فيها بالكفاءة العلمية والعملية ويفترض أن يكون الوصول لها عبر التدرج الوظيفي هذا ما نفهمه في دولة المؤسسات أو الدولة التي تسعى أن تكون كذلك.
(3)
في مسيرتي الصحفية المتواضعة أحرص على أن لا أجعل منبري ومساحتي التي أكتب فيها مفتوحة بصورة دائمة لصالح قضية واحدة أو مجموعة محددة وإن كانت على صواب – للظالم وللفاسد والمتهم وإن كان مجرماً حق الدفاع عن نفسه ، يملك هذا الحق. لا أحرص على أن أجعل صوته غير مسموع، خاصة أننا لا ندعي أن كل ما نكتبه صحيح بصورة مطلقة .. بل قد نخطئ كثيراً ، ولا أبرئ نفسي – غير أن عزائي في ذلك أني لا أقع في الخطأ متعمداً ولا نكتب من أجل أجندة خاصة بنا – المواضيع التي نشعر فيها بالمرارات (الشخصية) نتركها ونتجنبها، ونحاول أن نكتب عن العام ومن زاوية المواطن.
علماً أن هناك تطوراً وتحولاً كبيراً حدث في مجال الإعلام – ليس في إمكان أي كاتب في الوقت الحالي أن يخدع القراء أو يكذب عليهم غير ما كان يمكن أن يحدث في الماضي عندما كان (العمود الصحفي) أو الصحافة بصورة عامة الردود عليها والصوت الآخر لا يمكن أن تسمعه إلّا في (صفحة القراء) أو في (تعقيب) من جهة ما ..نشره الكاتب أو ألقى به في سلة المهملات.
الآن لكل شخص منبر ..وكل الجهات تملك آليات قد تكون أقوى من الصحف نفسها للرد والتصحيح وتقطيع الكاتب والهجوم عليه.
يكفي أن كل عمود تكتبه في أي مجال يمكن أن ينشر في (قروب) لجهة الاختصاص ليردوا عليه أهل الاختصاص والعلم.
إن كنت لا تقف على أرض صلبة ولا تكتب بمهنية ومعلومات وتحليلات تبعد من هوى النفس فلن يرحمك أحد.
نكتب من أجل القارئ ونحترم قدراته وتخصصاته ..ونعرف أننا نكتب في مجالات نحن غير متخصصين فيها لأهل الاختصاص أنفسهم ونجادلهم في أشياء هم أعلم بها منّا ..لذلك إن تخلينا عن مهنيتنا سوف نسقط ونتلاشى ولن تحتملنا حتى صحفنا التي نكتب فيها، ولن تصرف لنا مرتبات أو تدفع لنا أجورنا إذا شعرت أننا فقدنا احترام القراء.
كل صحيفة رأس مالها الحقيقي (القراء).
زادنا هو احترام القارئ ..ولا يمكن أن تبحث عن احترام القارئ إن كنت لا تحترمه.
(4)
دائماً ما تفقدنا كتاباتنا بعض علاقاتنا التي لا يروق لها ما نكتب – ولا نبالي بذلك لأننا غير حريصين على هذه العلاقات – بل إذا كانت هناك كتابات أفقدتنا (أصدقاء) لا يستوعبون طبيعة مهنتنا فاننا نبقى مدينين لهذه الكتابات بالفضل لأنها خلصتنا من جانب مظلم في حياتنا.
أفضل طريقة للتخلص من أصدقاء السوء (المواجهة) و(الحقيقة).
لن نتملق أحداً حتى (القارئ) عندما يمثل أحد أطراف النزاع.
أقول دائماً لمن يستحسن مقال اليوم لأنه توافق مع مصالحه – وهذا لا يعنيني في شيء …إن مقال الغد يمكن أن يغضبك.
لا يعنينا الفرح والغضب كثيراً فيما نكتب ولا نخصص (نغمة) لجهة دون الأخرى.
أقول ذلك لأنه في كثير من الأحيان يحدث (تشويش) ونحسب من أصحاب الأجندة السياسية والمصالح الشخصية ..ونحن ندرك أن الذين يبحثون عن هذه الأشياء ويعملون لها حساب لا يعمرون كثيراً ..ويرمون عاجلاً أو آجلاً في مزبلة التاريخ إن كان للتاريخ (مزبلة).
(5)
بغم /
بيننا وبينكم (الموسم الزراعي).
والمحاكم!!
صحيفة الانتباهة