يوسف السندي يكتب دعوة لهيكلة الجيش والأحزاب السياسية معا

رغم ان وجود جيش سوداني موحد هو هدف لا يمكن التراجع عنه، لكن من الغباء تصوير ان وحدة الجيش لوحدها هي العاصم لحكومة الثورة والنظام الديمقراطي من بعدها من خطر الانقلابات.

الدليل على هذا الاستنتاج موجود امامنا مباشرة في تاريخ بلادنا، فقد كان الجيش السوداني موحدا في عام ١٩٦٩ ولكن ذلك لم يمنع سقوط الحكومة الديمقراطية بانقلاب النميري.
كذلك كان الجيش السوداني موحدا في عام ١٩٨٩ ولم يكن هناك دعم سريع ولا حركات مسلحة في الشمال، ورغم ذلك لم يحمي هذا الحكومة الديمقراطية من انقلاب الانقاذ.

لذلك وحدة الجيش لوحدها ليست كافية لحماية السلطة الانتقالية من الانقلابات.
بل ربما وجود قوتان عسكريتان الان في السودان، وتحقيقهما لتوزان قوة عسكري، هو احد الاسباب التي منعت قيام انقلابات على السلطة الانتقالية، رغم أن ذلك أيضا افتراض نظري لا يمكن الجزم بصحته مئة بالمئة.
…..

الأزمة السياسية في بلادنا ليست في وحدة الجيش او عدم وحدته، وإنما في العقلية العسكرية التي لم تدافع تاريخيا عن الحكم الديمقراطي أمام ثلاث انقلابات.
وحتى لا نحمل العسكريين لوحدهم عبء المسؤلية فان الأزمة هذه نفسها موجودة في المدنيين وبالتحديد في الاحزاب السياسية.
إذا كان التاريخ السياسي السوداني يقول ان الجيش الموحد لم يحمي الأنظمة الديمقراطية من الانقلابات، فإن ذات التاريخ يقول ان الأحزاب السياسية المدنية هي التي خططت ونفذت هذه الانقلابات.
عبدالله خليل رئيس الوزراء المدني هو الذي سلم السلطة الديمقراطية للقائد العام للجيش الفريق ابراهيم عبود في عام ١٩٥٨، الحزب الشيوعي والقوميون هم الذين جاءوا بانقلاب النميري على النظام الديمقراطي في عام ١٩٦٩، حزب الجبهة الإسلامية هو الذي جاء بانقلاب الإنقاذ على النظام الديمقراطي في عام ١٩٨٩.
…..

لذلك نحن نعاني من أزمة مزدوجة، عسكرية – مدنية، وبالتالي الحل لا يمكن أن يكون منفردا بالحديث عن إعادة هيكلة الجيش فقط، وإنما يجب الحديث ايضا وبكثافة عن إعادة هيكلة الأحزاب السياسية.

العسكريون سيقاومون مبدأ تدخل المدنيين في إعادة هيكلة الجيش، وهذا موضوعي، لأن الخطاب الذي يتحدث عن هيكلة الجيش دونا عن هيكلة الحياة السياسية المدنية يحمل اتهام صريحا ومنحازا ضد الجيش بأن الازمة كلها في الجيش، بينما الأزمة كما أثبتنا مركبة، ولا يتحملها الجيش لوحده.
عليه فالمطلوب هو إعادة هيكلة عسكرية – مدنية في نفس الوقت، تستهدف إعادة هيكلة الجيش واعادة تنظيم الحياة السياسية عبر سن قوانين وتشريعات للعمل السياسي ولنشاط ووجود الاحزاب السياسية.

هذه المقاربة المركبة لمعالجة ازمة الحكم في السودان قد تكون مدخلا يرضي جميع الاطراف، والاكيد ان هذا المدخل سيرضي الجماهير، فهي غير راضية عن الجيش وفي نفس الوقت غير راضية عن الأحزاب السياسية.

الجماهير تعلم أن هيكلة الجيش مهمة، وتعلم ايضا ان هيكلة الأحزاب والنشاط السياسي على ذات المستوى من الاهمية.

لذلك الهيكلة المزدوجة التي تشارك في صياغتها جميع الاطراف سياسيين مدنيين وعسكريين وجماهير، ستقود إلى بناء قانون للعمل السياسي يقوي الأحزاب السياسية ويهيئها للقيام بدورها المطلوب في توطيد أركان النظام الديمقراطي واستدامته وعدم التفكير مطلقا في الانقلاب عليه.
كما ستقود إلى هيكلة الجيش وتزويده بالعقيدة العسكرية الصحيحة التي تجعله حاميا وحارسا للنظام الديمقراطي امام اي انقلاب شمولي.

صحيفة السوداني

Exit mobile version