زين العابدين صالح عبد الرحمن يكتب: المبادرة و مآلات المستقبل السياسي

بعد مسيرة (30 يونيو) هل في تفكير القوى السياسية مسيرة أخرى؟ و أيضاً الزملاء في الحزب الشيوعي يشجعوا قيام مسيرة أخرى، أم أنهم قرروا مفارقة الفكر التروتسكي (الثورة الدائمة) التي لم تستطع أن توصلهم إلى مبتغاهم في اسقاط حكومة حمدوك، و الرجوع مرةً أخرى للبحث في أضابير الفكر الماركسي لكيفية التعامل مع هذا الواقع المأزوم، في الوقت كان رئيس الوزراء فرحاً بخروجه من مأزق 30 يونيو لذلك ذهب يزور كل المؤسسات التي ساهمت في أن تجعل المسيرة عادية لكنها صعدت أنفاسهم ساعات. لكنها خلفت وراءها درساً مهماً، أن الديمقراطية أفضل نظام للحكم، و تعطي مساحة للشارع أن يجعل السلطة في حالة من عدم التوازن. و أيضاً كشفت أن الحرية ماتزال في طور الشعارات، و تعاني من تحديات بسبب إعتقال عدد من الناشطين قبل المسيرة، و أيضاً إعتقال إعلاميين حتى لا يتم تصوير. و هي الأشياء التي تغض عنها الطرف مجموعة الكتاب، بسبب حالة الذعر التي يحاول البعض إثارتها، فالحرية لا تطلب من السلطة بل تؤخذ عنوةً.

الآن لم يبق في الساحة السياسية غير مبادرة رئيس الوزراء. هل لديه الرغبة في استمرار تنفيذ المبادرة أم أن الظروف التي فرضتها قد زالت و لا داعي لها؟ يقول وزير المالية السابق إبراهيم أحمد البدوي في مقال كتبه في صحيفة (التيار) بعنوان (نحو رؤية موضوعية حول مبادرة الأزمة الوطنية وقضايا الإنتقال – الطريق إلى الأمام) يقول في المقال “تكتسب مبادرة السيد رئيس الوزراء (الأزمة الوطنية وقضايا الإنتقال – الطريق إلى الأمام) أهمية قصوى، وإن جاءت متأخرة، بل ومتأخرة جداً. أهمية هذه المبادرة تكمن في أنها أتت من رأس السلطة التنفيذية للنظام الإنتقالي لثورة ديسمبر المجيدة والذي أمضى سحابة العامين الماضيين محاولاً تدوير الزوايا على أمل الوصول بسفينة الفترة الإنتقالية إلى بر الأمان، حسب تقديره.“ و في لقاء آخر يقول المهندس عمر الدقير رئيس حزب المؤتمر السوداني لقناة ( سودانية 24) أن مبادرة حمدوك كان من المفترض أن تقدمها له الحاضنة السياسية و لكنها مشتتة و متنازعة لذلك قدمها رئيس الوزراء، و يجب التعامل معها بأفق واسع للخروج من هذه الأزمات) القوى الأخرى كانت قد أيدت المبادرة ( الجبهة الثورية – المجلس المركزي) و لكن تأييداً لم تقدم فيه رؤية لكيفية تنفيذها.

أن إشكالية العقل السياسي السوداني بعد الثورة قد تجمد تماماً، هو عقل تثيره الأحداث و لكنه لا يصنعها، و حتى تفاعله مع الأحداث في حدود ضيقة، إلا إذا مست مصالح المجموعة التي ينتمي إليها. و هنا تصبح الإشكالية؛ كيف لهذا العقل يستطيع أن يخرج البلاد من أزماتها و يجعلها في طريق التنمية؟ حتى لا نكون مغالين في ذلك، هذا ما كان قد أكده رئيس الوزراء في شهوره الأولى عندما ذهب للسعودية و قابل الجالية هناك، حيث قال أن ( قحت) لم تسلمني أي مشروع للعمل، و هذه المقولة توضح أنه تحالف عريض لكنه بدون رؤية سياسية لكيفية حل أزمات البلاد. و ظلت القوى السياسية تمارس السياسة بجدل اليوم، و صاحب هذه المقولة قال عنها صاحبها المفكر اليساري البناني مهدي عامل يمكن أن تخرج السلطة الحاكمة من أزمتها اليومية، لكنها لا تصنع مستقبلاً لوطن، لأنها لا تملك رؤية لمشروع سياسي متكامل، فالصراع الحاصل في الساحة السياسية هو صراع مصالح حزبية ضيقة لم يرق ليطال الوطن، فكل قوى سياسية تريد أن تفرض شروطها على الآخرين، الأمر الذي يثير صراعات جانبية تجعل السياسي ينظر بعين واحدة لا تكتمل عنده الرؤية، فالوطن يريد أن ينظر الشخص بعينين و صدر واسع و عقل مفتوح.

أن مبادرة حمدوك هي عبارة عن هيكل “ Skeleton” تحتاج إلى ترميم “ Recondition” و من المفترض تقوم بعملية الترميم القوى السياسية و منظمات المجتمع المدني و المؤسسات الأكاديمية و أيضاً المبادرات الخاصة لأهل الرأي و المثقفين، و لكن هذه تحتاج أن تصبح السلطة التنفيذية مرنة و لديها الرغبة في التفاعل مع المبادرات الخاصة، إلي جانب أن يحس الناس هناك إرادة قوية لتنزيل المبادرة علي الأرض.أن بناء الوطن يحتاج لدفع كل طاقات الشباب في عملية الإنتاج و بناء الوطن، بدلاً من المسيرات المتواصلة رغم أنها من وسائل التعبير الديمقراطي. و أيضاً توسيع قاعدة المشاركة التي جاءت في المبادرة بإعتبار أن عملية التحول الديمقراطي تحتاج إلى مشاركة أكبر قاعدة إجتماعية فيها. و كما قال عمر الدقير في ذات البرنامج أن دعاة الديمقراطية يجب أن لا يكون في خطابهم مصطلح الإقصاء، و عليهم فقط إبعاد “الذين أفسدوا و الذين إرتكبوا جرائم و المؤتمر الوطني“ أما البقية الأخرى يجب أن يكون لها موقعاً في عملية توسع قاعدة المشاركة. خاصةً أن شروط الديمقراطية تحتم على السلطة الإنتقالية أن تلغي كل أدوات الصراع غير السلمية، و أن تؤسس منابراً متعددة للحوار، أي مناطق جاذبة للجدل السياسي بهدف توعية الجماهير بحقوقها و واجباتها من جانب و إكسابها الثقافة الديمقراطية من جانب آخر. لكن للأسف هناك البعض الذين تغيب عنهم الثقافة الديمقراطية، و أيضاً تجدها مفقودة في مرجعياتهم الفكرية. هؤلاء هم الذين يشكلون إعاقة لعملية التحول الديمقراطي. و إثارة القلاقل. نسأل الله حسن البصيرة.

صحيفة الانتباهة

Exit mobile version