في وقت متأخر من ليل أمس الأول، تابع ملايين السودانيين وقائع جلسة مجلس الأمن الدولي التي خُصِّصت لمناقشة أزمة سد النهضة الذي تبنيه إثيوبيا على مجرى نهر النيل وسط اعتراضات مصرية وسودانية على ملء الخزان المائي دون اتفاق بين الدول الثلاث، ورغم الآمال العراض التي كانت تحملها حقائب الوفد الوزاري الحكومي الكبير الذي سافر إلى نيويورك بقيادة وزير الخارجية مريم الصادق المهدي، إلا أن مخرجات الجلسة لم تكن بحجم تلك الآمال، وربما لم يكن ذلك مفاجئاً للمتابعين خاصة مع تصريح سابق لرئيس مجلس الأمن بأن ملف المياه غير مشمول في اختصاصات المجلس، غير ان الجلسة التي جاءت بطلب مزدوج من السودان ومصر لتجعل مجلس الأمن يحث الأطراف الى العودة للتفاوض.
جولات ماكوكية
وربما رفعت الجولات الماكوكية التي قامت بها وزير الخارجية مريم الصادق المهدي خلال الشهرين الماضيين، والتي زارت فيها معظم الدول الأفريقية وعددا من الدول العربية والإقليمية، قد ادت إحساساً لدى الحكومة بأنها حشدت من الدعم الإقليمي ما يؤهلها لطرح القضية أمام مجلس الأمن الدولي بغية أن يفلح التدويل فيما فشل فيه الاتحاد الأفريقي والوساطات الأمريكية والأممية والأوروبية، لذا كان سقف المطالب في حقيبة الدبلوماسية السودانية متضخماً، خاصة مع مشروع القرار الذي تقدمت به تونس، القاضي بوقف ملء بحيرة السد لحين التوصل لاتفاق بين الدول الثلاث بشأن الملء والتشغيل، وذلك ما أعطى إحساساً للشعب بأن مجلس الأمن الدولي سيجبر إثيوبيا على وقف مرحلة الملء الثاني الذي بدأتها قبل يومين من جلسة مجلس الأمن.
سقف عالٍ
مطالب السودان كانت واضحة من خلال البيان الذي أدلت به مريم المهدي عندما قالت “نأمل من المجلس الموقر الاضطلاع بمسؤولياته في حفظ الأمن والسلم الإقليمي بشكلٍ وقائي، وذلك بتعزيز مسار التفاوض تحت مظلة الاتحاد الأفريقي عن طريق دعوة الأطراف لاستئناف التفاوض تحت مظلة الاتحاد الأفريقي مع اضطلاع المراقبين والوسطاء الدوليين بأدوار تيسير ووساطة تساعد الأطراف على التوصل لاتفاق، وذلك وفق إطار زمني محدد، ودعوة إثيوبيا بعدم اتخاذ خطوات أُحادية دون اتفاق تعمل على تهديد ملايين السكان خلف سد النهضة”.
وأضافت “قبل الختام، فإنني أود أن أقول بوضوح لا لبس فيه، ان الأمر المطروح أمامكم هذا، قضية عادلة والمطلوب منكم فيها دعم وتعزيز مسار ماثل فيه تعثر ويمكنكم مساعدة هذا المسار بيسر وبدون تكاليف وذلك برفع العنت والمعاناة عن شعب السودان الباسل بأن يتم ملء وتشغيل سد النهضة بناءً على اتفاق قانوني ملزم وشامل. أما صمت المجلس سيرسل رسالة خاطئة بأن الملء الاحادي المضر بمصلحة السودان وشعبه أمر مقبول وستكون له مآلات وخيمة”.
مهدد خطير
ويشير خبير تحدث لـ(الصيحة) الى ان مطالب السودان التي تمثلت في وقف الملء الثاني واجبار اثيوبيا على العودة للمفاوضات تحت مظلة الاتحاد الأفريقي والوسطاء، فضلاً عن عدم إرسال رسالة داعمة لإثيوبيا بتجاهل تلك المطالب، ويرى أن مجلس الأمن قد عصف بالمطالب الثلاثة، ما يعتبر فشلاً لوفد السودان في تحقيق ما سافر من اجله.
ولم يصدر مجلس الأمن أي قرار بشأن مشروع تقدمت به تونس لأعضائه والذي يدعو إلى التوصل لاتفاق ملزم بين إثيوبيا والسودان ومصر بشأن تشغيل السد خلال ستة أشهر، اذ ان مجلس الأمن اكتفى فقط بالبيانات التي ادلى بها مندوبا امريكا وفرنسا عن الاتحاد الاوروبي ومصر والسودان واثيوبيا ليرفع الجلسة، لكن مريم الصادق المهدي لاحقاً غردت على حسابها في تويتر وقالت “وضعنا أمام مجلس الأمن الموقر، ملف سد النهضة بكل تداعياته الخطيرة والسيادية والقانونية و الأمنية والإنسانية وكونه مهدداً خطيراً للأمن والسلم الدوليين، وضرورة الوصول لاتفاق ملزم لكل الأطراف”.
وأكدت خلال مؤتمر صحفي أن الدول الـ15 الأعضاء بالمجلس أعلنت ضرورة إعادة المفاوضات تحت رعاية الاتحاد الأفريقي بشكل مكثف؛ لتوقيع اتفاق قانوني ملزم يلبي احتياجات الدول الثلاث ويؤدي إلى تخفيف التصعيد الذي يؤثر مباشرة على المنطقة والقارة الأفريقية.
يوم حزين
ورغم أن القرار في ظاهرة نصرٌ كونه، ألزم اثيوبيا للعودة الى التفاوض، الا أن خبير المياه د. احمد المفتى يرى أن القرار وضع السودان ومصر تحت رحمة اثيوبيا، واعتبر في حديث لـ(الصيحة) ان يوم امس كان حزيناً لإنسان وادي النيل، مبيناً أن ادارة السودان ومصر للموضوع امام مجلس الأمن لم تكن بأفضل من ادارتهما للمفاوضات منذ العام 2011، لفشلهما في اقناع أعضاء مجلس الأمن، بانه يجب على اثيوبيا “وقف الملء الثاني” فوراً، مشيرا الى انه دون وقف الملء فورا تكون العودة للمفاوضات غير مجدية، بل ربما اعطت الشرعية للملء الثاني، ودخولهما في حديث مطول، مما ساعد في طمس ذلك المطلب الجوهري.
تحد كبير
ويشير المفتي الى ان عدم اقتناع أعضاء مجلس الامن الدولي بأن الامر يهدد الأمن والسلم الدوليين، استند على وجود اتفاق مبادئ بين الدول الثلاث، مبينا انه كان قد اوصى في وقت سابق بسحب السودان ومصر توقيعهما من اتفاق اعلان المبادئ قبل عرض الامر على مجلس الأمن، مبينا ان عدم اقتناع اعضاء مجلس الامن استند ايضا على اقرار الأطراف بأنهم اتفقوا على 90% من الموضوعات المتعلقة بالتفاوض، واكد ان ما خرج به مجلس الامن يضع السودان ومصر امام تَحدٍ كَبيرٍ، إذ أنهما صرحا لأكثر من مرة بأنهما يملكان خيارات أخرى، اذا ما فشل مجلس الأمن في اتخاذ قرار يلزم اثيوبيا بوقف الملء الثاني، والعودة الى طاولة المفاوضات، لحين الوصول لاتفاق ملزم، وهذا ما يجعل انظار الجميع تتجه الآن لانتظار تلك الخيارات.
خيار صعب
وأشار الخبير د. احمد المفتي إلى ان الوضع بعد جلسة مجلس الامن لم يضع أي خيارات أخرى مجدية امام السودان ومصر، لكنه اشار الى امكانية سحب التوقيع على اعلان المبادئ، وحشد قوات ضخمة على الحدود مع اثيوبيا، داخل الاراضي السودانية، ليس بهدف ضرب سد النهضة ولكن للمطالبة باسترداد أراضي بني شنقول التي يقام عليها سد النهضة، من واقع أن إثيوبيا لم تلتزم بشروط منح تلك الأرض لها، وقال “حينها ستصل رسالة قوية جداً لإثيوبيا، تحملها لمراجعة موقفها، أو يعقد مجلس الأمن نفسه، جلسة طارئة تحت الفصل السابع، لأن الأمر يكون حينها، مهدداً بالفعل للأمن والسلم الدوليين”.
طريق القانون
وحذر المفتي من سير السودان ومصر في الاتجاه القانوني، كونه خياراً متاحاً خاصة بعد أن أعلن السودان، انه قد كون له فريقاً قانونياً مدعوماً بمكاتب محاماة دولية، مشيراً الى أن الاتجاه القانوني مصيره سيكون أسوأ من الذي حدث في مجلس الأمن، من واقع أن الدول كافة، محصنة ضد التحكيم الإجباري، وضد الشكوى لمحكمة العدل الدولية، إلا في حال وافقت تلك الدولة طواعية على ذلك، وقال “ليس هنالك ما يدفع إثيوبيا للموافقة، وهي قد حصلت على كل ما تريد، امام سمع وبصر السودان ومصر”.
الخرطوم ـ محجوب عثمان
صحيفة الصيحة