واصل الجنيه رحل الصعود أمام العملات الأجنبية طيلة الأسبوع المنصرم مما فتح الباب واسعا امام المختصين من أهل الاقتصاد والخبراء المصرفيين لتشريح الظاهرة وهل هي أمر عارض ام أن سياسات الإصلاح الاقتصادي التي تنتهجها حكومة الانتقال بدأت تثمر؟ ، وبدأ الجنيه رحلة التعافي.
منذ عدة أيام تشهد الأسواق الموازية تراجعا لسعر الدولار أمام الجنيه كما سجل سعر الدولار خلال تعاملات أمس الخميس انخفاضا ملحوظا إذ بلغ ٤٥٤ جنيه مقابل ٤٥٧ الأربعاء وعزاه المتعاملون مع الأسواق الموازية إلى حدوث تراجع كبير في الطلب على العملات الأجنبية خاصة مع استمرار البنك المركزي في تخصيص مبالغ من النقد الأجنبي عن طريق المزادات مما أسهم في إيفاء حاجة قطاع واسع من المستوردين كما وحدد بنك السودان السعر التأشيري الخميس ب ٤٥١ جنيه ليصبح الفارق ضئيلا جدا ما بين السوق الموازي والمصارف أو غير موجود في بعض الأحيان.
أسباب :
ويقول المحلل المصرفي عثمان التوم في حديثه لـ “السوداني” إن هناك عدة أسباب أدت إلى تراجع سعر صرف العملات الأجنبية مقابل الجنيه أهمها تحرير سعر الدولار الجمركي وما ترتب عليه من تخوف المستوردين مما أسهم في تقليل الطلب على الدولار إلى جانب تخوفهم من ضعف القوة الشرائية، مشيرا إلى أن هناك حالة من إبطاء لعملية الاستيراد من قبل التجار وأضاف أن هناك حالة من الركود في الأسواق حتى قبل تحرير سعر الدولار الجمركي مما دفع التجار إلى عدم اللجوء إلى استيراد السلع غير الاساسية خاصة وأن المواطن لا يستطيع إلا شراء السلع الأساسية خلال الفترة الحالية.
تَوفير العملات :
ويمضي التوم إلى أن سياسة مزادت النقد الأجنبي التى ينظمها بنك السودان المركزي أسهمت بقدر كبير في توفير العملات الأجنبية لأغراض الاستيراد وقال إن في حال توفير كافة مبالغ الاستيراد من بنك السودان لن يذهب العملاء للسوق الموازي الذي هو حاليا في مرحلة اختبار سياسات الدولة خاصة سياسة النفس الطويل في المزادات وقال إن استمرت المزادات في توفير النقد الأجنبي من الممكن أن تصل إلى مرحلة تلاشي السوق الأسود، وتابع :”لابد من مقدرة البنوك على شراء أكبر كميات من النقد الأجنبي دون التعلل بنقص السيولة النقدية”، لافتا إلى أن هناك أيضا حالة من الخوف تنتاب تجار العملة لعدم مقدرتهم على التنبؤ بسياسات الحكومة المستقبلية الأمر الذي أسهم في تراجع الطلب على الدولار من قبلهم خشية تعرضهم لخسائر في حال اتخاذ أي قرارت حكومية جديدة وقال إن تشديد الإجراءات الأمنية على تجار العملة من الملاحقات والتحقيقات ومصادرة الأموال بموجب القوانين الخاصة بلجنة إزالة التمكين َو قانون غسل الأموال وتمويل الإرهاب أسهمت أيضا في تقليل تجار العملة لانشطتهم مقارنة بما كان سائدا.
أمر عارض :
ويذهب المحلل الاقتصادي د. هيثم محمد فتحي في حديثه لـ “السوداني” إلى أن ارتفاع قيمة الجنيه حاليا امام العملات الأجنبية هو أمر عارض ولا يمثل حقيقة الوضع الحالي لأن قيمة الجنيه الآن عبارة عن مضاربة للاعتقاد الموجود بأن هناك عدم استقرار اقتصادي، مشيرا إلى أن تراجع الطلب انعكس على ارتفاع قيمة الجنيه، لافتا إلى أن سياسة المزادات حتى الآن لم تؤت أكلها ومازالت المدة الزمنية قليلة ولايمكن أن يتم تقييمها حاليا كما أن الملاحظ عدم انخفاض أسعار السلع بالرغم من حدوث انخفاض لسعر العملات الأجنبية مقابل الجنية ، وقال: ” لن تنخفض الأسعار مباشرة الا في حال كان هناك استقرار في المستوى العام للأسعار بما يجعل هناك سعرا معينا يمكن من خلاله قياس الأسعار”، مشيراً إلى أن ما يحدث حاليا هَو تذبذب فقط ارتفاع وانخفاض وإحجام من المضاربين ، مطالباً الحكومة باغتنام فرصة انخفاض قيمة العملات الأجنبية امام الجنيه والعمل على استقطاب الاستثمار وتنشيط تحويلات ومدخرات المغتربين عبر المنافذ المصرفية بسرعة أكثر مماهو عليه الحال في هذه المرحلة إلى جانب العمل على فتح منافذ المصارف في كافة المناطق في القرى والفرقان لضمان تحويلات المغتربين عبر القنوات المصرفية إلى جانب وضع الأجراءات اللازمة لزيادة الصادرات وإنفاذ القرارات الخاصة بتقليل الصرف الحكومي.
البيع للمصارف
ويشير المحلل المصرفي طه عبد الله في حديثه لـ “السوداني” إلى أن تخطي الدولار في القنوات المصرفية للسعر في السوق الموازي دفع بعض تجار العملة للبيع للمصارف، وأضاف: “دائما القرار الاقتصادي يحتاج لفترة من الوقت حتى يحقق الأهداف التي اتخذ من أجلها وفي بعض الأحيان يؤدي إلى نتائج عكسية في بداية أمره”، مشيرا إلى أن سياسة مزادات بنك السودان للنقد الأجنبي بدأت قليلا في تهدئة الطلب على العملات الأجنبية حيث تم ضخ أكثر من250 مليون دولار عبر هذه الآلية، الأمر الذي أسهم في انخفاض سعر الصرف حالياً لكن المشكلة تكمن في عدم تأثير ذلك على المواطن حتى الآن.
ويرى مراقبون أن حصول السودان رسميا على التسجيل الخاص بالرقم المصرفي العالمي الموحد ايبان يسهم في مزيد من التدفقات الخاصة بعمليات النقد الأجنبي في المصارف من الخارج.
والأربعاء نقلت تقارير إعلامية عن أن السودان تم تسجيله في الرقم المصرفي العالمي الموحد(IBAN ) رسميا والذي يسهل كافة المعاملات المصرفية العالمية الواردة من الخارج بحسب المعايير العالمية المعتمدة Iso بعد أن ظل القطاع المصرفي في السودان يعانى لعقود من عدم تسجيل السودان في الرقم المصرفي العالمي بسبب وجوده على قائمة الإرهاب الأمريكية ما انعكس على صعوبة إجراء التحويلات المالية.
السوداني