(1)
إلى وقت قريب كنا نتعامل مع (الأدب الروسي) بشيء من الاشمئزاز – وكنا نظن حسب ما نقل لنا من السلف الصالح ان الادب الروسي يمكن ان يفسد (ادبنا) – لذلك كنا نتحاشى كل الاقوال الروسية المأثورة ونتجنب الحكم الروسية.
هناك اناس لا يعرفون في الادب الروسي غير (امريكا .. روسيا قد دنا عذابها).
هذا الامر كان يمشي عليه كل الناس – إلّا من تجاوز هذه الحدود وعبر الى الضفة الاخرى – وحسبناه بعد ذلك شخصاً (منفلتاً) وليس عنده اخلاق.
كنا نسمع عبارة (الزول دا ما عندو ادب) كثيراً – وأظن ان العبارة كانت تخرج لمن يقرأ الادب الروسي.
كان (تنبر ود جاد الرب) صاحب شارب كثيف، اذا وجد احد شباب القرية يسمع في احدى الاغنيات القديمة من فنان سوداني كبير اعتبر ذلك الامر من (قلة الادب) – وخرج على الناس ليقول لهم عنه : (الزول دا ما عنده اخلاق).
الانفتاح الثقافي الذي حدث الآن – تجاوز كل هذه الحواجز – ولم يعد هناك تعريف (جنسي) للثقافات – الثقافات الانجليزية والثقافات الامريكية والروسية والنيجيرية والاريترية والسودانية فقدت تعريفات وطن المنبع – لم يعد يتوقف احد في جنسية البلد التي جاءت منها تلك الثقافات.
بل اضحى من لوازم التخلف ومن غرائب الاشياء ان تكون وأنت تقف في (دكان) الحلة لشراء (فول) او (موية فول) ان لم تستطع الى الفول سبيلاً ان تكون غير ملم بالثقافة الغربية وبما انتجه (بوريس باسترناك) في الادب الروسي.
يخيل لي ان شراء (طحنية) من دكان (الشيخ ود رمد) يستلزم منك كحد ادنى ان تكون قرأت المجموعة القصصية الكاملة لـ (أونوريه دي بلزاك)… وليس مهم بعد ذلك ان كان هذا الاديب فرنسياً او كان يسكن في حي البوستة ام درمان.
من عجائب اهل ام درمان ان أي مبدع في السودان جعلوه من سكان حي البوستة ام درمان!!
العنوان اعلاه “يا أصدقائي وراء الباب.. في أي عصر نحن؟“ هو لبوريس باسترناك – لم اجده في الحقيقة في كتابات (بوريس باسترناك) وإنما التقطت هذا القول الذي ادهشني في افتتاحية كتاب (قصص بشرى الفاضل) وهو يمنح هذا القول الصفحة الافتتاحية لقصة الفاضل المدهشة (حكاية البنت التي طارت عصافيرها) في كتابه الذي جمع فيه ثلاث مجموعات من قصصه.
(2)
احتاج الآن ان اقول هذا الكلام “يا أصدقائي وراء الباب.. في أي عصر نحن؟“ للحكومة الانتقالية.
اقول ذلك لجبريل وجادين وسلك وبلول ومريم.
ما نعيش فيه من ازمات ومعاناة وصلنا فيها حد ان تمثل عندنا عودة التيار الكهربائي انتصاراً للذات يجعلنا نقول لوزير الطاقة في أي عصر نحن؟
الطريقة التي نحصل بها على الخبز تفقدنا نصف انسانيتنا.
حدثني من اثق في تحليلاته عن جمال السودان وهو يقول لي ان السودان جميل … ويجادل على ذلك اسرة قادمة للإجازة السنوية في السودان من عاصمة الضباب.
هذا الشخص اكد جمال السودان في الفرحة العارمة التي تنتابك عندما تصل الى شباك المخبز وتأخذ رغيفك وتمضي وتترك بعدك اكثر من 50 شخصاً ينتظر… وحدثني ذلك الشخص عن الفرحة الكبيرة التي تمتلئ بها عندما تملأ (تنك) عربيتك بنزين.
يقول هذا الشخص انه طاف وجال كثيراً في هذه الدنيا … ولكنه لم يجد فرحة اكبر من فرحة عودة التيار الكهربائي… وهذه فرحة لا تجدها إلّا في السودان.
مثل هذه (الافراح) لا توجد في الخارج.. هذه افراح سودانية خالصة.
صديقي لا يعرف كم هي الاثمان الباهظة والكبيرة التي ندفعها قبل الحصول على هذه الافراح.
هل يمكن ان يكون الحصول على جرعة دواء غسيل الكلى او الحصول على دواء السرطان (انتصاراً) يحسب للحكومة ؟ وفرحة يكتسبها (المريض) وهو في حالة يرثى لها.
(3)
بغم /
قالت له لماذا اصبحت بديناً لهذا الحد؟
قال لها : سمعتهم يتحدثون عن مشروع (ثمرات) في تلفزيون السودان.
صحيفة الانتباهة