الذين يهاجمون ويستهزئون بالحكومة الانتقالية إن كانوا يسيرون على الطريق الصحيح يعذرون.
يفعلون ذلك ليس لأنهم يسيرون على الطريق الصحيح، ولكن بسبب فقدانهم سلطة الجاه والملك.
فهي حالة لا إرادية مسيطرة عليهم، ففي كل مرة ينظرون للحكومة الانتقالية على أنها هي التي سلبت منهم حقهم ورمتهم واحتلت مكانهم، وبهذه الحالة تفهم الهجمات واللعنات التي يوجهونها لها.
وبالطبع لا يستطيعون أن يصرحوا بأن هجومهم لهذا السبب، وإنما دائما ما يتحدثون عن الأزمة السياسية والاقتصادية وغيرها من أزمات الوطن؛ ليفرغوا من خلالها غضبهم وسخطهم على هذه الحكومة.
وهو شعور طبيعي، فلا يمكن أن يستقبلوا من سلبهم مكانهم بالبشر والترحاب.
ويشاركهم عبئا على الوطن من فرحوا بضياع هذا الملك؛ ليغرفوا منه سريعا قبل أن تضيع عليهم الفرصة.
الوحيدون الذين يمكن أن يستفيد منهم السودان هم أولئك الذين لا يشعرون بأنهم أخذ منهم ملكهم، وفي نفس الوقت لا يسعون لانتهاز الفرصة؛ ليأكلوا من خلالها سياسيا او اقتصاديا أكبر أكلة ممكنة.
من تجده يتناول شأن السودان بلا غبن نحو هذه الحكومة، وفي نفس الوقت لا يسعى للاستفادة مما هو قائم الآن، فهذا الذي في طرحه فائدة، وهذا الذي ينقد من أجل السودان، وهذا الذي حالته النفسية مستقرة.
فلا يمكن لشخص يعاني من نفس مهزومة مرفوضة أن يتبنى أزمة بلد.
كما لا يمكن لشخص انتهازي أن يبني وطنا.
المتلوثون هم الذين يبحثون عن فرصة سواء ينتسبون للنظام البائد أو للمرحلة الانتقالية، فهؤلاء هم أعداء الوطن.
أما النزيهون فلا يغضبون، ولا يتحسرون على نظام أضاع فرصة الإصلاح، وأضاع فرصة النهوض بالوطن، وإن سلم من لعنهم، فلن يتمنوا عودته.
يعملون على طرح خطط مستقبلية، وترتيب أعمال ترسم للمستقبل لا علاقة لها بماض ساقط.
من همه الوطن ينظر للأمام، ويستصحب الجميع من خلال طرحه إلا من يأبى.
إن الحديث عن الماضي لا يخلو من موقفين:
موقف يريد ان يبعده سواء لأهداف خاصة أو عامة.
وموقف يريد أن يقربه لأهداف كذلك عامة أو خاصة.
وكلا الموقفين قد جانبا الصواب.
الموقف الصحيح والذي يصب في مصلحة الوطن هو تجاوز هذا الماضي، والانطلاق بالوطن إلى الأمام. يتبنى هذا الاتجاه من لم يتلوث بالماضي، وفي نفس الوقت من لا يريد ان يحيي سيرة الماضي الآن.
الغير متلوث يدعو للولاء للوطن لا للحزب، أما المتلوث فنظرته نظرة النظام السابق يسعى لتثبيت وتقوية حزبه على حساب الوطن.
الغير متلوث يدعو لتصويب الأخطاء لا إعادتها، أما المتلوث، فنظرته نظرة النظام السابق يجعل من الأخطاء سلما يصعد به.
الغير متلوث بالماضي لا يعمل على إحياء النظام السابق، وإنما ينطلق بطرحه لحل أزمات السودان موجها نظره إلى الأمام.
الغير متلوث بالماضي على أقل تقدير لا يدافع عنه، ويدلل في كل محطة أن رحلته الوطن.
بهذا الاتجاه سوف يقوى ويصحح ويتقدم بطرحه للأمام.
فبهذا الطرح سنجعل لنا قطارا للوطن يصعد إليه كل من همه الوطن سواء كان منتسبا للنظام السابق أو معاديا له أو غير ذلك.
أما من يدافع عن النظام السابق فسوف يحصر ويضيق من ينتمي إليه.
ومن يعادي النظام السابق سوف يشغل نفسه ويبدد مجهوده.
من يبنون الوطن هم الذين لم يتلوثوا سواء بتطبيق أو بتقليد ، وسوف يسحبون معهم كل من كان همه الوطن.
الذين يدافعون عن النظام السابق، ويستشهدون بأمثلة على ذلك، ويقارنون، فلن يزيدوا هذا الوطن إلا ذلا.
والذين يقتفون أثر النظام السابق، فلن يجنوا سوى السقوط.
صحيفة الانتباهة