في تمام العاشرة صباحاً صبيحة، أمس، الـ30 من يونيو ، لم تكن شوارع الخرطوم العاصمة كعادتها القديمة، استيقظت المدينة العريقة متثاقلة ، وخواطرها مشدوهة مثل خواطر الأطفال في يوم العيد، إلا أن “عيد” الـ30 من يونيو كان “جنائزياً ” عند الصباح، يتوجس الناس خيفة، وتعتري صدورهم المخاوف والظنون، وفي قلب الخرطوم يُسارع الناس بالخروج واللحاق بالمركبات العامة وكأن شيئاً خطيراً على وشك الانفجار، لا صوت يعلو فوق صوت ” الكماسرة ” وهم ينادون المواطنيين لحجز مقاعدهم في خطوط المواصلات قبل الانفجار، وعند أرصفة الشوارع وجميع المداخل وأمام المرافق الحكومية تنتشر عربات الشرطة ويحتشد الجنود ، بينما الملفت للانتباه هو ظهور قوات “أبوطيرة” بكثافة أعادت للأذهان صبيحة السادس من أبريل 2019م، حين تداعى الناس لإسقاط نظام البشير، إلا أن الفارق هو أن “حماس” السادس من أبريل كان هو العنوان الأبرز في ذلك الصباح، وفي صباح الأمس كان “الحذر” هو سيد الموقف، قليلٌ من المحلات التجارية كانت تواظب على فتح أبوابها ويتضجر مُلاكها من سطوة “الإعلام” التي أفرغت الخرطوم من المواطنيين، بينما المنظر العام يلهج بضجيج لـ”حرب مكتومة” تدور تحت الكواليس بين الثوار أصحاب الثورة وبين أنصار النظام البائد الذين يجاهدون لاستغلال آخر فرصة تلوح في الأفق لإسقاط الحكومة الانتقالية.
(1) قصة أول موكب لـ”الفلول”..
القصر الجمهوري هدف مباغت والشرطة تتصدى
بالقرب من معمل إستاك وفي حوالي الثانية عشر ظهراً تدفق موكب لفلول النظام البائد كان معظم عناصره يختبئون في أزقة السوق العربي وعند موقف شروني ، وعلى ما يبدو أنها كانت هي الخطة (أ) بحسب تصريحات ناشطين استنطقتهم (الجريدة)، وفي مباغتة سريعة فاجأت قوات الشرطة التي احتشدت من الصباح الباكر عند موقف شروني وجاكسون وأغلقت شارع القصر عند التقاطع مع شارع السيد عبدالرحمن بالقرب من شارع الحوادث، تجمع عدد ليس بالقليل لأنصار النظام السابق وبدأوا بالتحرك نحو القصر الجمهوري من نقطة معمل استاك، ثم انطلقت هتافاتهم التي تدعو لإسقاط حكومة حمدوك بالاسم، لم يكن عصياً على قوات الشرطة التعرف على موكب الفلول من خلال ملامحهم وأعمارهم التي تختلف تماماً عن السمات المعروفة والمحفوظة لمواكب الثوار طيلة عمر الثورة السودانية، لكن الشرطة باغتت موكبهم بالغاز المُسيل للدموع بكثافة جعلتهم يتفرقون في أزقة الشوارع، ولكن موكب الفلول كان يُصر على مواصلة السير والتجمع مرة أخرى في شارع القصر ومما أجبر الشرطة للتراجع قليلاً حتى ظن الفلول بأن الشرطة هربت من المواجهة وفتحت لهم الطريق للوصول للقصر الجمهوري، أو هكذا كانت تقول بعض الصفحات المنسوبة لعناصر النظام البائد على منصات التواصل الاجتماعي، حيث قام الإعلامي المنسوب للنظام البائد الطاهر حسن التوم بمشاركة مقطع فيديو يتحدث عن هروب الشرطة في شارع القصر من مواجهة الثوار، وكذلك فعلت ذات الشئ عدد من صفحات معروفة بإنتمائها للنظام المُباد، غير أن قوات الشرطة فاجأت الجميع وأطلقت الغاز المُسيل للدموع بكثافة أجبرت الفلول على الهروب، كما أن هناك أنباء تحدثت عن حملات اعتقالات واسعة تمت أوساط الفلول، خصوصاً ومنذ الصباح انتشرت أخبار تتحدث عن قوات الشرطة ابتدرت حملات مُكثفة لتفتيش الفنادق في السوق العربي حيث وردت أنباء عن توافد عناصر للنظام البائد من الولايات بغرض الخروج وإشعال الفوضى في الشوارع. ناشطون تحدثوا لـ(الجريدة) بأنهم يرصدون تحركات الفلول ويعلمون بأنهم يتعاملون بعدد من الخطط المتنوعة ، وكانت الخطة الأولى هي التظاهر بنية الوصول للقصر الجمهوري بغية إشغال الشرطة بالمطاردة وتشتيت الثوار عن هذه الشوارع أو جرهم إلى معارك دامية في قلب الخرطوم.
(2) لجنة إزالة التمكين
غرفة إعلامية للرصد والمتابعة والتنوير
عند ارتفاع عقيرة الشائعات وكثير من الفيديوهات والصور المُفبركة التي أرادت توجيه الرأى العام إلى أن التظاهرات التي تشهدها الخرطوم وبقية مدن السودان اقتربت من إسقاط الحكومة وأن فلول النظام البائد ليس لديهم أية أنشطة تخريبية مزعومة ، وأن الشارع الآن موحد في فرضية إسقاط حكومة حمدوك، سارعت لجنة تفكيك نظام الثلاثين من يونيو 1989 وإزالة التمكين من عقد تنوير صحفي سريع لمد الشارع بمعلومات جديدة عن نشاط فلول النظام البائد والكيفية التي يفكرون عبرها لجر التظاهرات السلمية نحو الفوضى ، حيث تحدث عضو اللجنة صلاح مناع كاشفاً عن رصدهم لتحركات الفلول منذ أمس الأول، مُرسلاً تطمينات غليظة للمواطنين بأن القوات الشرطية تقوم بدورها على أكمل وجه وتتصدى للفلول أول بأول، أما عضو لجنة إزالة التمكين وجدي صالح ، قال أنه و بعد توافر المعلومات تم القبض بالأمس مساءا على أحد كتائب الظل بمنطقة بحري يرتدي زي عسكري داخل منزله بالأمس كان يخطط للمشاركة في مواكب ال30 من يونيو وأودع في الحراسة، مؤكداً بأنهم ضبطوا مجموعة من خلايا الحركة الإسلامية البائدة قدمت من الولايات حيث تحركت عضويتها من ولاية النيل الابيض ، ربك ، الدويم ، كوستي ومن ولاية الجزيرة ، كسلا وبورتسودان وبعض الخلايا داخل ولاية الخرطوم بالسوق العربي وداخل منطقة جبرة وكذلك السوق المحلي والجزيرة إسلانج، مضيفاً بأنهم عثروا على أموال بحوزتهم من فئة الـ200 برقم تسلسل واحد تم تمويلهم بها لزعزعة الأمن والإستقرار. وأكد وجدي أن جميع الفلول الذين خرجوا أمس تم القبض عليهم وأن النيابة العامة موجودة على الأرض تتابع عن قرب وأنهم في لجنة إزالة التمكين على تواصل معها. كذلك أضاف وجدي أنهم تحصلوا على تسجيل صوتي بين أحد القيادات والفلول كانوا يخططون وينسقون لإجهاض الثورة، وأن مجموعة مسلحة من النظام البائد حددت لها ساعة الصفر وتمت مداهمتها والآن الأجهزة الأمنية تقوم معهم بالواجب، وأنهم قبضوا على ناشطين وقادة ميدانيين من كوادر الحزب المحلول كانوا يخططون لإحداث أعمال شغب. وقطع وجدي بأن المخطط الذي يقوم به الفلول كان كبيراً، قائلاً:” ولكن نطمن شعبنا نحن والأجهزة الأمنية أجهضنا ذلك المخطط ولن ندع أي شخص يخل بإستقرار أمن هذا البلد”.
(3) شارع الستين..
الثوار يقطعون الطريق على حلم “الكيزان” !!
في الجريف غرب والمعمورة خرجت جموع غفيرة من لجان المقاومة واحتشدت في شارع الستين، وكانت مواكبهم تضج بالهتاف ضد الأوضاع الحالية المتردية وفشل الحكومة الانتقالية في الايفاء بمطالب الجماهير وعدم تحقيق شعارات الثورة التي مهرها الثوار بالدماء والدموع، وفي غضون ذلك كان ثوار الجريف غرب يدركون بأن يوم الـ30 من يونيو هو اليوم الذي اعتصر فيه الفلول بذور أحلامهم بالعودة إلى المشهد، مستغلين في ذلك الأوضاع الاقتصادية التي يشتكي منها غالبية المواطنيين، فضلاً عن أزمة الكهرباء والغاز وارتفاع تكلفة المعيشة، إلا أن الثوار ظلوا يؤكدون بأن خروجهم ضد حكومة حمدوك يأتي في المقام الأول بنية إجبار الحكومة على تصحيح مسارها فيما يتعلق بكثير من السياسات الاقتصادية، وكذلك دفع الحكومة نحو العدالة والقصاص لأرواح الشهداء، فهم يعتبرون أنها القضية المركزية بالنسبة لهم، ولذلك ونسبة لحساسية الخروج على الحكومة في مثل هكذا توقيت والأجواء السياسية مفعمة بترصد الفلول ومخططاتهم لإسقاط الحكومة الانتقالية والانقضاض على أهداف الثورة، لم تخرج لافتات ثوار الجريف غرب في شارع الستين عن هذا المضمون، حيث رصدت (الجريدة) لافتة في شارع الستين للجان مقاومة الجريف غرب مكتوب عليها: (الموت ولا الكيزان) كأقوى تعبير ورد تلقائي ضد الفلول الذين يراودهم الحلم بالصعود على ظهر الظروف الاقتصادية القاسية التي يعاني منها المواطنون في ظل حكومة الثورة.
(4) مواكب الثوار..
” أي كوز ندوسو دوس” .. لافتة بارزة
بالمقابل لم يتغيب الثوار في لجان المقاومة عن الخروج في مواكب الـ30 من يونيو، حيث شهدت عدد من الأحياء في الخرطوم وأمدرمان وبحري مواكب حاشدة بالثوار، وتنوعت فيها الهتافات ما بين إسقاط الحكومة، والمطالبة بقصاص الشهداء، والهتاف ضد العسكر، إلا أن أبرز اللافتات التي كان يحملها الثوار في عدد من المناطق هي اللافتة الشهيرة لذلك الهتاف القديم : (أي كوز ندوسو دوس)، ورصدت (الجريدة) بروز هذه اللافتة في محطة سبعة بالصحافة ، كما أنها ظهرت في هتافات عدد من المواكب التي سيرها الثوار، بيد أن اللافت في الأمر أن منصات التواصل كانت تتداول لافتة (أي كوز ندوسو دوس) مقرونة ببعض اللقطات التي تم إلتقاطها للمقتنيات التي تم القبض عليها بحوذة بعض عناصر النظام البائد، مثل التلفونات ، و(الحجبات) التي يستعملها السودانيين مثل تعويذة ضد السلاح وغيره !!.
الخرطوم: عبدالناصر الحاج
صحيفة الجريدة