أحمد يوسف التاي يكتب: “جدو” على طريق حاتم السر ومدني عباس

(1)

الإعلان عن حملة الرقابة على الأسواق المعلنة من وزارة التجارة والتي من المقرر أن تبدأ غداً الاثنين، لم يكن ذلك الإعلان هو الأول من نوعه ولا هو أول قرار يصدر عن هذه الوزارة، فقد سبق أن أعلن ذلك وزير التجارة الأسبق في أواخر عهد النظام المخلوع، حاتم السر الذي تعهد بحملة تفتيش لضبط الأسعار ومنع الفوضى وانفلات السوق، لكن هذا لم يحدث وقبض المواطنين من وعد الوزير الريح وحسب…. ثم جاء من بعده وزير التجارة السابق في عهد حكومة الثورة الحالية مدني عباس، وأعلن عن خططه القاضية بتسيير حملات التفتيش ووضع ضوابط للأسعار عن طريق وضع ديباجات على كل السلع في الأسواق ، ولكن للأسف لم يحدث شيءٌ من ذاك ولم يقبض المواطنون المغلوب على أمرهم من تعهدات مدني عباس إلا الريح، وبدا الأمر وكأن هذه الإعلانات إنما وُجدت للتخدير وشحذ صبر المواطن الذي ما عاد يحتمل فوضى السوق وانفلات الأسعار التي تقفز كل يوم بلارقيب أو حسيب …يأتي هذا “التخدير“ بينما أسعار السلع تفلت من عقالها كل يوم ولا تعبأ بما هو معلن من حملات تفتيش وضبط للأسعار وكأن السوق المنفلت “متمرد“ يتحدى الحكومة في كل صباح وهو يضع المواطن بين قطبي الرحى ليمزقه شر ممزق والحكومة تتفرج وهي عاجزة عن حمايته …

(2)

يوم غدٍ الإثنين تقرر أن تبدأ حملة جديدة من التفتيش والرقابة على السلع لوضع حدٍ للفوضى العارمة التي اجتاحت الأسواق، وقالت الحكومة إن الحملة تعمل على ضبط الأسعار للسلع الاستهلاكية بوضع ديباجات على السلع ومراجعة صلاحيتها، فضلاً عن السلع المهربة المعروضة للبيع في الأسواق والشوارع الرئيسية والأحياء ومحاربة جشع التجار، وأن اللجنة التأشيرية للسلع الأساسية تعكف الآن على وضع أسعار محددة للسلع الأساسية من المصنع وبعض السلع الضرورية الأخرى بتحديد هامش ربح لتجار التجزئة، وفي حال عدم التزام التجار بوضع الديباجات، تفتح في مواجهتهم بلاغات بموجب إجراءات بنيابة حماية المستهلك“…. جميل هذا ما كان من وزارة التجارة هذه المرة … لكن دعونا نناقش الأمر من كل جوانبه، ونطرح السؤال : هل العلة تكمن في تجار التجزئة فقط؟….

(3)

صحيح أن هناك فوضى تسيدت الأسواق على نحو لم يسبق له مثيل، فاصبحت الأسواق مثل الغابة، القوي فيها آكل والضعيف مأكول وأصحاب النفوذ المالي وكبرى الشركات ، وكبار رجال المال والأعمال والمضاربون هم من يُحكمون قبضتهم على كل شيء ويفرضون ما يريدون وهم من يتحكمون في الأسواق والأسعار والدولار، وتجار التجزئة …. لكن الأصح من ذلك أن الأسواق ما هي إلا “أثر“ يعكس ممارسات من يتحكمون في شفرة الأسعار والأسواق كما يتحكمون في سعر “الدولار“، ويربطون منتجاتهم بالدولار الذي ما هدأت ثائرته يوماً، وهذه أمور مرتبطة جميعها بالنشاط الإجرامي الطفيلي ووسطاء السوق والسماسرة ، وما السوق إلا مرآة تعكس هذه الفوضى ، ولهذا لن يكون الحل في فتح البلاغات في مواجهة تجار التجزئة، وإنما في وضع سياسات محكمة تُعالج سعر الصرف وتكبح جماح الدولار، لأن أسعار الدولار المتصاعدة اليوم هي كلمة السر التي ما فتئت تُشعل النار في كل شيء وتحيل الحياة إلى جحيم لا يطاق بما تصنعه من ضائقات معيشية وغلاء فاحش يتزايد يوماً بعد يوم…..

(4)

في رأيي ومع تقديرنا لمساعي وزير التجارة فإن المعالجة بهذه الطريقة ستكون غير مجدية ، وتبدو كأننا نعالج فقط أعراض مرض عضال ونترك الداء … الحل لا بد أن يكون في إطار إصلاح اقتصادي شامل تكون أولى ثمراته ونتائجه هو استقرار سعر الصرف، وما لم يحدث هذا لن تفيدنا حملات الرقابة والتفتيش في شيء…. اللهم هذا قسمي في ما أملك..

نبضة أخيرة:

ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله، وثق أنه يراك في كل حين.

صحيفة الامتباهة

Exit mobile version