زين العابدين صالح عبد الرحمن يكتب: مبادرة حمدوك و اليسار الطفولي

أن مبادرة حمدوك رغم إختلاف الناس حولها بين مؤيد و معارض، إلا أنها قد أحدثت حراكا في الواقع و ردود فعل، هناك من يعتقد أنها مبادرة قد شكلت منعطفا جديدا في مسار العمل السياسي، باعتبار أن المبادرة أعترفت صراحة بالفشل و وصفت الحال السالب، و بينت مسببات الفشل في حالة التشظي التي ضربت الحاضنة السياسية، و خلافات في المنظومة العسكرية، و غيرها. و هناك الذين يعتقدون أن حمدوك نفسه قد فشل في إدارة الأزمة بالصورة المطلوب، و كان عليه أن يقدم استقالته بدلا عن هذه المبادرة. و قصد حمدوك من المبادرة الإصلاح، و معلوم أن بداية أي إصلاح هو الاعتراف بالفشل، و طلب من الآخرين تقديم رؤأهم لمعالجة الأزمات التي تضرب البلاد في نواحي عديدة منها الاقتصادي و السياسي و سوء الخدمات، و انعدام الأمن في المجتمع. و طالب بتوسيع قاعدة المشاركة من قبل المجموعات التي شاركت في الثورة، و لكنها لم توقع علي ” أعلان الحرية و التغيير” و بادرت المجموعات التي تنضوي في المجلس المركزي ” قحت” و الجبهة الثورية بتأييد المبادرة، و تأيدهم للمبادرة يعني أعترافهم بفشلهم. و الأسئلة التي يجب أن تطرح بعد قراءة المبادرة؛ هل يستطيع حمدوك و الطاقم الإعلامي الذي يعمل معه تسويق المبادرة و فتح حوار سياسي و مجتمعي حولها؟ هل حمدوك له الإرادة أن يذهب بالمبادرة حتى نهاية الشوط أم يجعلها واحدة من مناوراته العديدة التي لم تخرج من دائرة المنبر الذي أعلنها فيه؟ ما هي الأدوات التي يريد حمدوك استخدامها لكي تنجح المبادرة في خلق مشروع وطني يلتف كل الناس حوله؟ و هل حمدوك يستطيع أن يقبل رؤى الأخرين في عملية الإصلاح الاقتصادي؟ أي إصلاح للفشل الذي خلفته العقلية التي تسببت فيه يحتاج إلي عقليات جديدة لها قدرة علي إحداث التغيير المطلوب هل هو مستوعب ذلك؟
أن تقديم مبادرة من رئيس الوزراء للناس و تطرح للحوار هي بادرة مقبولة في قاموس التحول الديمقراطي، و بغض النظر عن أراء الناس في أداء حمدوك، و حتى العودة للنظر في مؤهلاته و خبراته، تعتبر مبادرته خطوة أولى في البلاد أن يصرح مسؤول بالفشل و يطلب من الجميع تقديم حلول، و هي حالة تحتاج لعصف ذهني لكي يتم استيعابها، كانت رؤية بعض الناس أن الرجل في يده القلم و كان عليه أن يصدر القرارات التي تساعده علي إزالة المعوقات. هذا الحديث للمتمعن سياسيا فيه يجده غير صحيح، لسبب في غاية الأهمية، أن رئيس الوزراء اعترف بضعف الحاضنة السياسية التي من المفترض تشكل له حماية سياسية، و الرجل كانت جاءته فرصة ثمينة تأييد الشارع له و لكن أهمل الفرصة و لم يستغل الدعم الجماهيري الذي كان قد وجده من قبل الثوار و الشارع السياسي، و لكن تراجع هذا الدعم، كما أن الحاضنة السياسية نفسها ضربتها الانشقاقات، و انكشف ظهر الرجل و أصبح أمامه طريقان. الأول أن يطرح المبادرة باعتبار أن هناك مشاكل و عوائق و أزمات تعترض السلطة التنفيذية و عجز عن حلها و يقدم استقالته، أو أن يجعلها كمبادرة يشرف عليها شخصيا، و يحس الناس علي التعامل معها بصدر مفتوح و ذهن متقد لذلك يقدمون رؤاهم في تجاوز هذه العقبات، وقد فضل الخيار الثاني علي الأول، لكنه بهذه المبادرة قد وصل نهاية الشوط. إذا لم تجد القبول و الاستجابة و العناصر التي تتحمل معه المسؤولية لنجاحها عليه الاستقالة.
تحدثت مبادرة حمدوك بشكل واضح عن توسيع قاعدة المشاركة، هذا التوسيع قصد حمدوك منه دخول للاعبين جدد للساحة السياسية، و في تفاصيل المبادرة قال أن حزب المؤتمر الوطني وحده خارج دائرة العوة للتوسيع، و أيضا الذين افسدوايجب أن يكونوا بعيدين عن المشاركة، لكن البقية الأخرى يجب أن تفتح لها الأبواب للمشاركة، و هذا يعني دخول قوى سياسية أخرى لهم قاعدة اجتماعية عريضة، و دخول هؤلاء سوف يغير من المعادلة السياسية السابقة، و ينقل الكل إلي مربع جديد. هذا الأمر قد أحدث صدمة للمستفيدين من الوضع الحالي. الصدمة كانت غير متوقعة و لم تستطيع القوى داخل سلطة الفترة الانتقالية تعبير عنها بوضوح، فهي حتما سوف تؤثر علي مصالحهم، لذلك تجدهم يحاولون الاتيان بمسرحيات مكشوفة المقصد. و مثال لذلك حديث عضو لجنة إزالة التمكين وجدي صالح، في مؤتمر صحفي كان قد عقدته اللجنة قال فيه “هنالك مؤامرة تُحاك ضد الثورة والقضاء على السلطة الانتقالية، ونعمل على إيقاف هذا المخطط”. وأضاف: ” خططوا من خلال العمل المسلح بأن يجعلوا 30 يونيو يوماً تاريخا للإجهاز على الثورة، وكان يجب على اللجنة أن تقوم بإجراءات لإيقاف هذا المخطط، وهو أيضًا مرتبط بقادة النظام السابق في سجن كوبر”. هذا الحديث الذي جا بعد المبادرة لكنه مصاحب لها، و الهدف منه هو الحد من عدم توسيع المشاركة التي ذكرها رئيس الوزراء. خاصة هناك شيطنة كانت قد قامت بها قوى اليسار، عندما أرادت أن تحاكم كل الإسلاميين جراء ما فعله المؤتمر الوطني، حيث أطلقت عليهم جميعا ” الكيزان” هو مصطلح يريدون به الشمول، و هم يعلمون أن الإسلاميين تنظيمات عديدة و ليس تنظيما واحدا، لذلك يحاول بعض اليساريين الذين يخافون أن تتم مزاحمتهم في سلطة اعتقدوا أنهم قد قبضوا عليها، و شكلوا تحالف بهدف أن لا يسمحوا مستقبلا بتساع قاعدة المشاركة فيها.
أن عقد المؤتمر الصحفي للجنة إزالة التمكين في هذا الوقت، هو مرتبط بالمبادرة التي كان قد أطلقها رئيس الوزراء، و هي لعبة سياسية مكشوفة. يقول نائب رئيس اللجنة محمد الفكي عضو مجلس السيادة في ذات المؤتمر الصحفي لن نسمح بعناصر النظام السابق العمل السياسي، و لا القيام بتظاهرات، نحن وحدنا المسموح لنا، يقول هذا و الرجل بمثابة نائب رئيس الجمهورية نسي أن السودان موقع علي ” الميثاق العالمي لحقوق الإنسان” و يطالب الدولة أن تسمح للمعارضين لها بحرية التعبير و التجمع. و التحدي يفضح قلة الثقافة الديمقراطية عند النخبة التي تتبوأ مقاعدها في سلطة الفترة الانتقالية، و هؤلاء يستخدمون الثقافة الشمولية لمخلفات النظام الشمولي السابق باعتبارها تنفذ الوثيقة الدستورية، هل عضو مجلس رأس الدولة الذي يتحدث عن قانونية اللجنة و عملها لم يعلم، إذا خالفت الوثيقة الدستورية نص من نصوص “الإعلان العالمي لحقوق الإنسان” يؤخذ بنص الوثيقة العالمية، إذا كان الرجل يعلم فهو يثبت بهذا القول اتهامنا أن لجنة إزالة التمكين دون اكتمال المؤسسات العدلية الهدف منها محاربة كل الذين ينتقدون سلطة الفترة الانتقالية بأنهم من عناصر النظام السابق و يجب قمعهم. و حتى إذا كانوا من قوى الحرية و التغيير يجب حسمهم و القول هؤلاء من عناصر النظام السابق. و أما إذا كان لا يعلم أنها مصيبة كبرى، كيف يتم تعين شخص يجهل القوانين العالمية المرتبطة بحقوق الإنسان و السودان موقع عليها. في سلطة انتقالية مناط بها أن تحدث تحولا ديمقراطيا في البلاد.
كانت الكورة من قبل في قدم حمدوك، و المبادرة جعلته يحتفظ بها و لكن ليس طويلا، و زمن المناورة قد انتهى، و الجماهير ما عادت تتحمل فقرا من هذا، و الضعف في القوى السياسية لا يساعدها أن تقدم فعلا إيجابيا يتفاعل مع المبادرة و يطورها، خاصة أن النخبة التي تشتغل بالذهن قد جمعت أوراقها و غادرت، لكن رغم ذلك نتفأل إذا كان هناك تصوراأكثر وضوحا للمبادرة. و نسأل الله حسن البصيرة.

صحيفة الانتباهة

Exit mobile version