سراج الدين مصطفى يكتب : نقر الأصابع

كنوز محبة.. أغنية بمواصفات خاصة
(1)

غزارة الإنتاج الإبداعي، لا تعني أبداً جودة المنتوج، وهي ليست بمعيار يمكنن يقاس عليه، وتلك الغزارة الإنتاجية ربما توقع صاحبها في شراك الاستسهال أو التكرار من حيث الأفكار وسطحية المنتج الإبداعي، وذلك لا يعني بالضرورة المطلقة أن تصبح قاعدة يمكنها أن تصبح مرجعية، فهناك بعض الحالات النادرة من حيث منتوجها الإبداعي الغزير، ولكنها تميزت بالرصانة والإمتاع، ويقف الشاعر الكبير إسحق الحلنقي كواحد من تلك النماذج صاحبة العطاء الغزيز عالي الجودة، وكذلك الشاعر إسماعيل حسن، فهو أيضاً كان شاعراً متدفقاً وحيوياً وشعره ينبض بالحياة ومازال حاضراً حتى اليوم، أغنيات الحلنقي وإسماعيل حسن خلدتهما في وجدان الناس وأصبحوا في مقدمة الذاكرة لا يطالهم النسيان.

(2)

في مسار الأغنية السودانية الطويل، هنالك شعراء خلدهم الوجدان الجمعي (بأغنية واحدة).. ولم يكونوا من أصحاب الإنتاج الثر والغزير، وربما بعضهم لم يجد حظه من الشهرة ولكن (الأغنية الواحدة) التي قدمها جعلته حاضراً حتى وإن غابت سيرته ومسيرته وتفاصيل حياته الشخصية، والنماذج كثيرة وتكاد لا تحصى أو تعد، ولكني أحاول في هذه المساحة التوقف عند بعضهم، مما أتاح البحث المضني أن أعثر على بعض تفاصيل حياتهم، وهي تفاصيل ربما تبدو خافية وتحتاج لمجهود إضافي وتحقق كامل من أي معلومة.

(3)

أغنية (كنوز محبة) التي لحنها الموسيقار بشير عباس وتغنى بها الراحل زيدان إبراهيم، هي واحدة من الأغاني المحفورة في وجدان الشعب السوداني، فهي توافرت فيها كل عناصر الجودة والخلود من مفردات ذات عذوبة ولحن سهل وتلقائي ويمتاز بالسلاسة والبراعة في تصوير الكلمة موسيقيًّا، ثم الأداء المبهر لزيدان إبراهيم ـ كعادته دوماً ـ الأغنية بمواصفاتها تلك خلدت اسم شاعر الدكتور (بشير عبدالماجد) ورغم أنه قدم أغنية أخرى اسمها (خوف) وتغنى بها الفنان الطيب مدثر، ويقول عنها الدكتور بشير عبد الماجد (قصيدة (خوف) لحنها زميلنا في المعهد والجامعة اسمه محمد صديق الأزهري، كان مدرس موسيقى، وقد وجدها يوماً على ورقة فوق مكتبي، أخذها وقال إنه سيلحنها ووافقت وقدمها بدوره للفنان للطيب مدثر .. تقول، كلماتها:

إني أخاف عليك من شعري، ومن شجني

وأخاف منك علي أن أصبحت شاعرك المغني

أنا في نهايات الدروب وأنت في فجر التمني

(4)

شاعر أغنية كنوز محبة الدكتور بشيرعبد الماجد من أبناء بورتسودان؛ ولد في المتمة 1939م، حائز على ليسانس آداب جامعة القاهرة فرع الخرطوم، ودراسات عليا في التربية، ومنحته جامعة أم درمان الإسلامية درجة الدكتوراة الفخرية في مجال التربية، عمل معلماً للغة العربية في مدرسة بورتسودان الأميرية الوسطى في أوائل الستينيات، وفي معهد التربية بكسلا، وكلية المعلمين ببخت الرضا.. كما انتدب لتدريس اللغة العربية بجمهورية الصومال.. له عـددٌ من الدَّواوين الشِّعريَّة الـمخطوطة منها: (أصداءٌ وأشواق)، (أغنية للمحبوبِ الـجافـي)، (خـفقةٌ أُخـرى)، (مع الأحبابِ الـراحلين)، (ترانيم).

(5)

أغنية كنوز محبة بكل تاريخها الجمالي الطويل وقدرتها على الحفر في وجدان المستمعين، ولكن شاعرها الدكتور بشير عبد الماجد أراد لها أن تحكي عن تفاصيلها ومكنونها من خلال الإستماع لها والتأمل في المفردات الشعرية.. فهو توأرى خلف الكلمات ولم يرد أن يفضح نفسه والسبب الذي جعله يكتب تلك المخطوطة الوجدانية.. فهو قال عن مناسبة القصيدة حينما سألوه عنها قال مناسبة القصيدة، فأنا أفضل أن تسأل عنها القصيدة.. وأمام هذا الرد الشافي فأنا أترك ذلك للقارئ الذي لايحتاج للاستعانة بصديق عندما يقرأ لبشير عبد الماجد:

لما تشتاق للمشاعر..

تملا دنياك بي عبيرا

لما تشتاق للعواطف

تنسجم تلبس حريرا

أبقى أسأل عن قلوبنا

تلقى فيها كنوز محبة

تلقى فيها بحور حنان

وتلقى فيها الشوق يغرد

وتلقى فيها الريدة فاردا

جناحا تشتاق للربيع

ويا ربيع.. يا ربيع

صحيفة السودلني

Exit mobile version