في بداية عهد حكومة حمدوك الأولى، قال الدكتور عبد الله حمدوك في تصريح صحفي (نحن لا نملك عصا موسى) ويقصد أن لا يرفع الشعب سقف تطلعاته لما تنجزه الحكومة.. فكتبت رداً عليه وقلت له (أنت تملك عصا موسى.. فالشعب السوداني هو عصا موسى.. سيدنا موسى أنجز ثورةعظيمة وقضى على نظام فرعون الدكتاتوري، وكذلك شعب السودان أنجز أعظم ثورة وبأيد بيضاء وقضى على أعتى نظام دكتاتوري) ثم ختمت حديثي ( يا حمدوك أضرب بعصاك البحر..)
ولكن مرت السنوات ولم يضرب حمدوك البحر ولا أظنه اقتنع أن في يده عصا موسى (الشعب السوداني).. فكانت النتيجة أن الفشل هو الذي ضرب الحكومة الانتقالية فوجدت نفسها في هذا الموضع الخطر.
أمس تقدم الدكتور عبدالله حمدوك رئيس الوزراء بمبادرة جيدة في توقيت مهم وحتمي، وجميل أن يتحرك الآن بقوة فكثير من المشكلات التي يكابدها الحال السوداني الأن سببها الرئيسي وقوفه في قاعة انتظار المجهول بلا حراك أو قرارات.. رغم أنه مسنود وبكل قوة بشعب كامل الدسم رهن إشارته وقادر على تجاوز الهضاب الصعبة..
و رغم كونها خطوة في الاتجاه الصحيح لكنها ليست كافية، فلو نظر الدكتور حمدوك جيداً في ورقة المبادرة لوجد أن كثيراً منها يمكنه إنجازه بالقلم الأخضر الذي في يده.. مطلوب قرارات وعلى وجه السرعة لمواجهة الانحدار المريع السريع لأوضاع الدولة السودانية حالياً..
مثلاً: الفقرة الخاصة بـ”توحيد مركز القرار..” تبدو غريبة لأن حمدوك نفسه مركز القرار ولو انتظر من الآخرين أن يمنحوه القرار فسيكون محيراً من يملك التفويض؟ فالشعب هو مانح التفويض و يقف بقوة خلف حمدوك، فمن من ينتظر حمدوك لـ”توحيد مركز القرار”..
كثير من الثغرات التي تكابدها الحكومة الانتقالية الآن سببها تراخي الحكومة في ممارسة مهامها والتنازل عن صلاحياتها ، وكما أن المثل الشعبي ينص أن (المال السايب يعلم السرقة) فإن (السلطة السايبة تعلم الاختطاف)..ونظرة واحدة لكثير من اللجان الرئيسية التي تمارس أعمالاً تنفيذية من صميم مهام الحكومة الانتقالية ترفع حاجب الدهشة عندما يتضح أن على رأس كل لجنة تنفيذية أحد أعضاء المجلس السيادي من العسكريين.. فالملفات التي هي من صميم صلاحيات الحكومة تنازلت عنها طواعية لصالح المكون العسكري، ثم يرتفع النواح بأن المكون العسكري يختطف السلطة!! والطبيعة لا تسمح بالفراغ.
الآن عندما يطلب حمدوك “توحيد مركز القرار” فكأني به غير مدرك أنه هو مركز القرار.. فكيف يطلب من الآخرين تعميده لما هو أصلاً دستورياً معمد له.
لكن مع ذلك فالخطوة جيدة وفي توقيت مهم، و الأجدر أن لا ينتظر حمدوك اكتمال التوافق عليها بل القفز إلى الأمام بقرارات تنسجم مع روح المبادرة، فمثلاً تكوين مجلس أعلى للسياسة الخارجية يكون قيماً على صناعة استراتيجية خارجية للسودان تصبح هي الموجه لكل المؤسسات المرتبطة بالعمل الخارجي.. فمثل هذا القرار يحل تلقائياً ما شكا منه في المبادرة من تناطح جهات كثيرة لاختطاف القرار الخارجي مما أربك الدولة..
ولكن قبل هذا وذلك فإن التعجيل بإعادة هيكلة المجلس القومي للتخطيط الاستراتيجي يصنع المنصة الملائمة للتوافق الوطني.. فالشعب السوداني ضجر من لعبة “المصالحات السياسية” منذ مصالحة نميري الشهيرة في العام 1977، وحان الوقت لتتصالح القوى السياسية مع الشعب السوداني وتتفق على خطة استراتيجية تصبح البرنامج الوطني الملزم للجميع، فتتغير الحكومات وتبقى المصالح القومية ثابتة لا تتغير.
صحيفة السوداني