قبل تقديمه لمبادرته رسم رئيس الوزراء بالأمس صورة قاتمة للواقع السوداني، وألمح إلى وجود اختلافات عميقة بين المدنيين والعسكر وبين المدنيين والمدنيين في السلطة وهي ما يعلمه الجميع من الخلاف بين قحت والعسكر، والخلاف داخل قحت بين اللجنة الفنية والمجلس المركزي، ولكن الخطير هو ما ذكره رئيس الوزراء بوجود خلاف مشابه في الأجهزة العسكرية، هو لم يسم هذه الأجهزة ولكن الجميع فهم ان المقصود هو الجيش والدعم السريع، خاصة وأن رئيس الوزراء قدم في مبادرته فقرة تتحدث عن توحيد الجيش، وهذه ليست المرة الأولى التي يتحدث فيها قيادي في الحكومة الانتقالية عن خلافات العسكر فقد سبقه في ذلك ياسر عرمان الأمين العام للحركة الشعبية.
رغم ان رئيس الوزراء تحدث عن ازمة وطنية تاريخية، الا ان جوهر الأزمة الوطنية التي يتحدث عنها هي أزمة راهنة تتعلق بتعدد بؤر القرار في السلطة الانتقالية، السلطة الانتقالية بلا مركزية قرار حقيقية، تسيطر فيها أطراف متعددة على القرار، المجلس السيادي، مجلس الوزراء، المجلس المركزي للحرية والتغيير، اللجنة الفنية وحزب الأمة القومي، الدعم السريع، الجبهة الثورية، لجنة إزالة التمكين، كل هذه الأطراف تملك سلطة اتخاذ القرار وتمارس فعلا قراراتها، وبالتالي أصبحت السلطة الانتقالية عبارة عن جذر معزولة، وفقدت بذلك الدولة أهم ما يميزها وهو وحدة القيادة ومركزية القرار النهائي.
منذ وقت ليس بالقصير تعاني حاضنة الفترة الانتقالية من أزمات متلاحقة، بدأت بانقسام تجمع المهنيين ثم تجميد حزب الأمة عضويته في قحت ، ثم انسحاب تجمع المهنيين من قحت، ثم انسحاب الحزب الشيوعي من قحت، ثم اختلاف اللجنة الفنية والمجلس المركزي، مضاف إليها الخلاف المدني العسكري والخلاف العسكري العسكري يصبح الواقع بالفعل غير جيد، والمقاربة الراهنة عبر مبادرة رئيس الوزراء قد لا تجدي نفعا، فالكثيرون كما يبدو غير مستعدين للتنازل عن امتيازات او مواقف تخصهم، وهو ما يجعل الطريق قاتما ومظلم.
مبادرة رئيس الوزراء ستكون الطلقة الأخيرة في محاولة إيجاد علاج لهذه الخلافات وتوحيد قيادة الثورة، وبعدها ليس هناك خيار سوى الانتخابات، اذا فشلت هذه المبادرة فخطوات الحل يجب أن تمضي بوتيرة متسارعة نحو تسليم الشعب صاحب الحق الاصلي سلطته، وذلك عبر تحويل الحكومة الراهنة لحكومة تصريف اعمال لمدة سنة، خلالها، إجراء التعداد السكاني، إقامة المؤتمر الدستوري، وضع قانون الانتخابات وتكوين مفوضية الانتخابات، تقسيم الدوائر الجغرافية، ثم إجراء الانتخابات، واختيار الشعب لمن يحكمه. هذا الحل سيوحد السلطة في يد رئيس واحد يملك كل السلطة وكامل الصلاحيات، فتنتهي الازدواجية ويختفي تعدد القوى داخل السلطة الواحدة.
صحيفة السوذاني