توقّف السؤال الذي ظل يتبعنا أينما ذهبنا، الحكومة دي ماشة كيف يا اخوانا، متبوع بأسئلةٍ فرعية تتصل به، المُتفاءل منهم يظُن أنّ الحكومة رُبما لديها برامج وخُطط تعمل في تنفيذها بصمت عملاً بحديث النبي الكريم واستعينوا على قضاء حوائجكُم بالكتمان، وقد أجابت الدولة على من يسأل عملياً واقنعته بالدليل بأن لا شئ لديها يُمكن أن تُقدمه له اليوم، وواقع الحال يُغنيكُم أهلى الكرام عن السؤال، المسيرة مُتعثّرة، وموارد الدولة مُتبعثّرة، والبلاد بالأزمات ما زالت وستظل مُتأثرة.
للمرة الثانية خلال إسبوع واحد أطلّ علينا السيد رئيس الوزراء، الطلّة الأولى كانت بلا مُناسبة جاء يُحدثنا فيها عن نفسه وعن مُعاناته مع من يضعون العراقيل أمامه، والثانية جاءت في شكلِ مُبادرة طرحها لشركاء الحُكم وللمواطن للاتفاق عليها والعمل بما فيها حتى لا نفقد السودان، والمُلاحظ أنّ حمدوك قد تحرّر فيها من قيود خطاباته الأخرى الكثيرة التي حاول أن يبدو فيها مُتماسكاً إذ ظلّ يتحدّث فيها بدبلوماسية لاقناعنا بأنّ حكومته مُتماسكة وتعمل بتناغُم مع الشق العسكري، وظلّ يُجمِّل في قبيح العلاقة التي ربطته بالشُركاء، ويُرسِل في رسائل مُتلاحقة بأنّ مُمسكات حكومته تكمُن في التوافق بينهما، والواقع بالنسبة للمُتابِع للشأن السياسي يقول غير ذلك.
أقرّ حمدوك في مُبادرته عن ما حاول انكاره طيلة الفترة الماضية، وأوصل لنا رسالة واضحة فهمنا منها بأنّ مُركب الانتقالية فيها أكثر من ريس، يعني عزيزي القارئ بأنّ لحمدوك شُركاء في مقعد القيادة ولكل واحدٍ منهم رأي وقرار لا يهُم إن اتفق أو خالف حمدوك، فهل يستقيم الأمر كذلك، وهل مقعد القيادة فيه مُتسع لكُل هؤلاء للجلوس عليه ليحكموا ويتحكّموا في مصير هذا البلد المُضطرب المأزوم بأفعال ساسته..؟، وأهلنا قالوا ريسين غرقوا المُركب فما رأيكم في مركبنا المعطوبة وما مصيرها إن أصرّ كُل هؤلاء على قيادتها في وسط أمواج الأزمات المُتلاطمة.
يقيني بأنّ حمدوك أكثر منّا علماً وإلماماً بما يجري داخل المطبخ السياسي، ومبادرته دليل على أنّ الصراعات بينهما قد وصلت إلى حدٍ دفعته يخرُج علينا مُحبطاً يائساً بمبادرة أخرج فيها الهواء الساخن الذي احتمله وصبر عليه طيلة الفترة الماضية والذي تسبّب فيه من يُشاركونه الحُكم، ومن يُحاولون الالتفاف على الثورة وسرقتها للاستئثار بكيكة السُلطة اللذيذة المُشتهاة، أخيراً أدرك حمدوك أنّ مُشكلة البلاد في المقام الأول (سياسية) وعُشّاق السلطة لا يهُمهم إن تمزقّت البلاد أو تغيّرت جغرافيتها، ولا يعنيهم من قريبٍ أو بعيد أن يحترِق أهلها بنارِ الصراعات أو يرحلوا منها للبحث عن ملاجئِ في غيرها ما داموا (هُم) قد جلسوا في مقعدِ الحُكم واستأثروا بمخصصاته.
لقد خرج قطار الثورة عن مساره يا حمدوك فابحثوا عن ما يُعيده إلي مساره وإلّا فالتوهان في طرقات الفوضى المُتعرجة المُظلمة واردٌ وارد.
صحيفة الجريدة