مرتضى الغالي يكتب مُش شُغلك…!!

لا ندري مَنْ يقوم الآن بمهام النائب العام وكيف يعمل الديوان..لكن ما يجري تقديمه في التلفزيون القومي عن بيوت الأشباح هي بلاغات على الهواء مكتملة الأركان والحيثيات لا نرى ما يقابلها في عمل الديوان بكل ما فيه من دوائر وأقسام ووكلاء نيابة ولجان ومحققين ..الخ تجاه كل هذه الوقائع التي وردت على لسان ضحايا يتحدثون عما لاقوه من تعذيب وما شاهدوه بأعينهم من اغتيالات وما أدلوا به من شهادات واضحة مصحوبة الأدلة والقرائن.. ولحسن الحظ أن بعض ضحايا هذه الأحداث وشهودها أحياء يتمتعون بكامل قواهم العقلية..!

شهادة النقيب شرطة جمال الدين الشافعي تتحدث عمن كانوا في أمكنة التعذيب والاستجوابات ومنهم نافع علي نافع وعمر زين العابدين وحسن ضحوي وعبدالرزّاق الفضل وكمال علي مختار وأن من بين شهود إعدام ضباط رمضان ودفنهم (وبعضهم دُفنوا أحياء) غير محمد ود الحاج وإبراهيم شمس الدين عبدالرحيم محمد حسين وبكري حسن صالح وصلاح كرار وعادل عبد الحميد وصديق عامر وحسن صالح هؤلاء حضروا التنفيذ بعد المحكمة الصورية.. ويروي النقيب الشافعي عن شهادة سائق (اللودر) الذي كان مكلفاً بالحفر وتولي الدفن.. وانه سمع أنين بعضهم تحت التراب..بل سمع نداء من المدفونين الأحياء بإكمال القتل قبل الدفن.. وعندما أخبر المشرفين على الإعدام ردوا عليه: (ما شغلك) وأمروه بمواصلة الدفن..!! ثم أن سائق اللودر (واسمه معلوم لدى النقيب الشافعي) تعرّض لمحاولتي اغتيال نجا منها وتم تهريبه بوساطة أقربائه خارج البلاد وتعهّد لاحقاً بأنه على استعداد للحضور والشهادة بما رآه ..!!

ولكن أين المحاكمة.. ومتى يتم فتح هذه القضية..؟! لا أحد يدري ما يجري في الديوان ولا برلمان يقدم استجواباً للنائب العام عن القضايا التي بين يديه حتى يعلم الناس (مجرد العلم) بما فعله قادة الإنقاذ الذين يدفنون الناس أحياء في حفرة مجهولة ولا يسمحون حتى بإعادة الجثامين إلى ذويها..!! وإذا برأت المحكمة هؤلاء القتلة فليتم إطلاق سراحهم.. ولكن لا يمكن أن يظلوا بغير محاكمة بعد كل هذه السنوات وبعد أن ذهبت ريح الإنقاذ.. وقد كانوا يتظاهرون بالبراءة إلى درجة كان فيها صلاح كرار وبكري حسن صالح يقدمون أنفسهم في صورة (ضباط متأنقين) بنظارات مظللة وقفازات وردية وكأنهم (حكماء معبد دلفي) بل ويحاولون الإيحاء بأنهم كانوا بعيدين عن هذه الدماء وينسبونها أحياناً إلى من مات من رفقائهم الإنقاذيين..!! وحسب شهادة الشافعي وللمفارقة أن بين من أعدموهم من شهداء رمضان ضابط أحيل للمعاش (سيد احمد صالح النعمان) وتصادف وجوده في مكاتب وحدته لتسوية حقوقه وفي يده عقد عمل في الكويت..ومع هذا قابل الموت مثل إخوته ببسالة نادرة..!

إذا لم يكن هذا هو الإفلات من العقاب فكيف يكون..!! والعدالة عندما تتأخر بهذه الكيفية فهي نوع من الظلم الصريح.. خاصة تجاه جرائم بكل هذه الوحشية.. وقائعها واضحة وشهودها حاضرون وأدلتها متوفّرة بما ليس عليه من مزيد..وطبعاً هذا القصور من الديوان يفضحه بلاغ الأستاذ الجامعي فاروق محمد إبراهيم ضد نافع علي نافع الموثق منذ أكثر من عشرين عاماً بكل الأختام و(الدمغات) والتفاصيل التي تثبت تعذيب نافع لأستاذه مقدم الشكوى..وكان الشاكي على ثقة بأنه سيقف أمام المحكمة لإنصافه في اليوم التالي لانتصار الثورة…!!

أما أن يكون هناك ما لا نعلمه حول موقف ديوان النائب العام من قضايا أصبحت في علم جميع السودانيين وتنتظر الدفع بها للمحاكم.. أو أن يكون الديوان قد أصبح (بعلمه أو بغير علمه..بإرادته أو بغيرها) من بين المصدات التي تحوش البلاغات من الوصول إلى عتبات المحاكم..رغم احتشاده بمئات القانونيين ووكلاء النيابات.. (إذا لم يكن فيكن من ظل أو جنى….فأبعدكن الله من شجراتِ)..!!

صحيفة السوداني

Exit mobile version