المشكلة في تأخر خروج حكومة الثورة ورئيس وزرائها للشعب ومخاطبته بالأوضاع السياسية والاقتصادية.. )خاصة الاقتصادية( والشعب على استعداد للتضحية والدفاع عن ثورته وشد الأحزمة على الأجسام النحيلة حتى لا يتسع هذا الفراغ الكبير الذي يملأه علينا الفلول..وليس في وجوههم (مُزعة لحم) ولكنه عدم الحياء.. ولا شك أنهم يشاهدون ويسمعون (على انفراد وبالدس) هوائل بيوت الأشباح وأخرها رواية شاهد العيان الذي وجد الشهيد على فضل مجندلاً في التراب أمام مكتب “نافع على نافع” وهو لا يقوى على مجرد فتح عينيه.. دعك من الاستناد على مرفقيه.. بعد أن ألقوا به جسداً بلا حراك وعلى ظهره وبطنه الوحل..والأستاذ الجامعي الرسالي “نافع على نافع” خلف الباب يستأنس مع ضيوفه حول أقداح الشاي..!! ما أقبح هذا الميراث الذي تركه نافع لأسرته وزملائه التربويين.. وما اشد ما لطخ به وجه السودان والضمير الإنساني..!!
ومع الفلول تنهمر علينا لتملأ فراغ الصمت الحكومي مقذوفات من الصحف والقنوات ودكاكين التواصل الاجتماعي بالتخذيل والتباكي على متاعب الجماهير وضوائق المعيشة ومع هؤلاء اقتصاديون متأنقون ينشرون علينا التشاؤم ويتقعّرون بنظريات ادم سميث ومينارد كينز و(الاقتصاد الكمبرادوري) وكأنهم مراقبون أجانب يناقشون اقتصاديات السوق الأوروبية المُشتركة وليس اقتصاد بلادهم التي جادت عليهم بهذه (الياقات المنشأة) ..!
يجب مصارحة الشعب وعدم رفع سقوف التوقعات بأن الثورة يمكن أن تحقق الرفاهية خلال شهرين أو عامين؛ فخراب الإنقاذ الأسطوري يهد جُبارة (المجموعة الباسيفيكية)..ولكن يجب التحدث مع الشعب بأن الوطن سيواجه صعوبات ومخاض عسير حتى يصل إلى درجة (ادني من المتوسط) في أوضاعه المعيشية.!! ومن الخطورة أن يجاري أنصار الثورة ما يقوله الفلول بأن الوضع الحالي أسوأ من أيام الإنقاذ (فهذا وربك قياس أثيم)..!! هؤلاء عبيد شهوات وملء بطون.. لهم فكوك مشرعة لا تحسن غير المضغ والبلع ولا يعرفون معاني الحرية والكرامة. ومعنى أن تكون سيداً في وطنك لا أن تنتظر لتعلفك الدولة وأنت قابع في حظيرة الذل ومزابل المهانة وإدارة دولتك تحت رعاع يتنططون بين احتفالات السفه ورقص المخابيل ولا ينقطعون عن هذا التيه إلا برحلات مهينة تطردهم فيها مطارات الدنيا ويقبع رئيسهم في قاعات الاستقبال الفارغة ذليلاً في انتظار من (ينش) عليه بتلويحة سلام.. ولو من موظفي البروتكولات وصبيان صب القهوة..! لا الشعب السوداني لن يعود إلي هذا الهوان.. فقط يطلب أن تتحدث إليه حكومة ثورته التي أتي بها (بيده القوية) وتضحياته الجِسام وتصارحه بما هو مُقبل عليه من مصاعب.. فلماذا لم يخرج رئيس الوزراء مبكراً ليقول: نعم سنرفع الدعم عن الوقود لاعتبارات كيت وكيت.. وهيا بنا لملحمة التضحيات وبذل المزيد من الدم والعرق والأمل..!
بالأمس لفت نظرنا اقتصادي وراصد سياسي وكاتب يغمس يديه في وجع الوطن..فقد أشار “ياسين حسن بشير” المتابع المدقق أن أزمة الكهرباء والعجز الاقتصادي الذي انطلق إعصاره في الأسابيع الماضية كان نتيجة مباشرة للتجييش الذي حدث مع الجارة إثيوبيا (ولا تتطاولوا علينا بشعارات حماية الأرض والعرض) فنحن نعلم أن الفشقة ارض سودانية (وأن حلايب سودانية)..! ولكن كيف يتم التعامل مع هذا الملف بغير هذا الهياج العشوائي والخطوات غير المحسوبة وفي هذا التوقيت وبدون ربط القرار السياسي بالواقع الاقتصادي..؟! فهل كان هذا التجييش الذي أكل (الزوادة القليلة) من العملات الصعبة والسهلة..قراراً صدر عن الحكومة المدنية ومن مجلس الأمن الدفاع بعد تداول ومدارسة.. آم انها (قفزة زحلوقية) زادت من تعقيد مفاوضات سد النهضة وسحبت المال المرصود للكهرباء وغيرها من أساسيات حياة الناس.. وكلما سمعوا صيحة أو شاهدوا (عربة كارو) في منطقة الحدود صاحوا: هناك حشود ..هاتوا الفلوس..!!
صحيفة السوداني