قبل سنوات كانت صديقتي تنوي (الرحول) الى مسكن آخر ..كان علي مساعدتها في (تستيف العدة ) ..اذا بي افاجأ بكميات الطقوم الجميلة الجديدة التي لم يستخدمها أحد ..شئ طقوم شاي وشئ طقوم عشاء ..هذا غير ما لا يخطر على بال بشر من أنواع أكواب العصير والصواني باحجامها ومقاساتها المختلفة ..(ايه دا يابنتي ) قالت لي بكل فخر (دا نتيجة التجوال بين بلدان الدنيا) ..(شوف ازاي ؟ وليه ما بتستعمليها ؟ ) ..ضحكت وقالت (يا بتي في السودان دا ..العدة السمحة دي ما بتنفع …السودان دا بس تنفع معاهو صحانة العضم دي).
هل لاحظتم مثلي ان السوداني يسافر ويلف العالم ..تعجبه الأفكار في كل بقاع الدنيا ..ولما يرجع الى السودان لا يفكر في نقل التكنولوجيا ..هناك حالتان لا ثالث لهما لمتلازمة السوداني العائد من الخارج ..اما يركن كل ما أتى به من تلك البلاد على جنب ..واكل في (صحن العضم) ..او لملم ما يليه من (عقاب ) وطار الى بلاد الاغتراب مرة أخرى ..وبس خلاص.
أفكار السفر و(صحانة العضم) هذه قفزت الى ذهني وأنا اقرأ خبر أفرحني جدا لكنه جعلني أتوجس خيفة ..الخبر يقول ان شركة لوفتهانزا الألمانية بصدد عمل زيارة للسودان لكي تقدم النصح والمشورة لقطاع النقل الجوي ..هاجسي الاكبر ..ان تقوم الشركة بعمل الدراسة الكاملة ..وتقدم النصائح الذهبية في النهوض من القاع ..وكيفية اصلاح الخطوط الجوية والعودة مرة أخرى الى الأجواء العالمية .. ..تقوم الشركة بكل هذا المجهود ..وتغادر الى موطنها ..وطوالي يتم رفع ما قالته فوق (رأس الفضية )..ويغرفوا لينا في صحانة العضم.
في العهد البائد كان هناك ما يدعى بـ(الاطلاع على تجارب الآخرين ) ..وهي أسفار يقوم بها الوزير الجديد وطاقمه الى دول أخرى متقدمة في شأن وزارته ..حصص المطالعة هذه مرحلة مهمة في بداية الاستوزار ..وبعدها تبدأ مرحلة حضور المؤتمرات وورش العمل ..وقبل ان تنعكس نتائج حصص المطالعة على حصص الانشاء ..اما تتم الاقالة او اعادة التدوير الى كرسي جديد وبعدها تبدأ الاسفار للاطلاع على تجارب دول أخرى في التخصص الجديد ..وهكذا دواليك ..والمحصلة صفر كبير وتحكرنا في منصب (الطيش) بامتياز.
ذلك عهد مضى ..وأظلنا عهد جديد استبشرنا فيه خيراً أن أغلب الوزراء فيه مستوردو
من وراء البحار ….لذلك كانت دهشتنا عظيمة في الخيبات التي تتالت على ظهرنا واحدة تلو الأخرى ..يبدو ان ( صحن العضم )فكرة …والفكرة لا تموت …والله يا جماعة نحن شعب يستحق ان يعيش بكرامة ..نستحق الرفاهية ..نستحق ان تكون هناك مشروعات حديثة في بلادنا ..دول الجوار ذهبت بعيداً في مجال التنمية طرق وكباري ومنشآت ومصانع واستثمارات أجنبية ووطنية ..ليه ؟ لأنهم عندما يسافرون ..يأتون بتجاربهم من الخارج ويطبقونها على أرض الواقع في بلادهم ..لا يوجد لديهم (صحون عضم )..الافكار الجيدة يطوعونها حسب مقدرتهم وبيئتهم ..ويستفيدون من كل شاردة وواردة.
اما نحن طالما هناك (ناس عضم ) سنظل شعارنا (سفري السبب لي اذايا)
ناهد قرناص
صحيفة الجريدة