تلوح في الأفق
ثمة ثنائية تلوح في الأفق ما بين الموسيقار محمد الأمين والشاعر صلاح حاج سعيد.. حيث وجد محمد الأمين ضالته أخيراً في أشعار صلاح حاج سعيد.. وأغنية نرجسة التي ظهرت قبل سنوات قليلة كانت هي الملمح الأول الذي قاد أبواللمين للتنقيب مجدداً في منجم صلاح.. فكانت أغنية (مشتاق ليك يا جميل يا رايع) والتي استقبلها جمهور محمد الأمين بكل حفاوة وأوجد لها حيزاً كبيراً بين الأغنيات الكبيرة في مسيرته… ولهذه الأغنية الجديدة قصة يرويها لنا شاعرها صلاح حاج سعيد.
يا جميل يا رايع:
ـ نص أغنية (يا جميل يا رايع) لم يكن بهذا الشكل ولكن إرضاءً لرغبة محمد الأمين تغير النص من (مشتاق ليك يا نيل يا رايع) إلى (مشتاق ليك يا جميل يا رايع) لأنه سمع بأن صلاح إدريس قام بتلحين النص بشكله الأول وحتى لا تحدث بعض الإشكالات طلب ذلك التغيير. ومحمد الأمين لحنها وقام بتغييرها حتى لا يحدث إشكال.. ولكن اللحنين مختلفان.. وأنا لا أستطيع أن أجزم بأيهما أجمل.. وأنا إلى الآن لا أستطيع أن أقول بأنني منحاز للحن محمد الأمين أو للحن صلاح إدريس.
تجارب مماثلة:
وأتمنى لحن صلاح أدريس لهذا النص يخرج حتى يسمعه الناس، وهناك الكثير من التجارب المماثلة والمشابهة.. وأنا لن أدافع عن لحن أي منهم لأن كل واحد له طريقته في التلحين، والقضية ليست قضية هذا أفضل من ذلك.. ولكن أتمنى أن تدوم العلاقة الغنائية بيني ومحمد الأمين (وربنا يقدرني) أن أعطيه النصوص التي ترضي معجبيه، ومع أن الثنائيات تخلقها الصدفة ولكن أتمنى لها أن تتصل وتفرز أغنيات جميلة وجديدة في كل مضامينها. وهذا جزء من نص الأغنية:
مشتاق ليك يا جميل يا رائع
ولأحلام الزمن الضائع مني
وعامل فيني مواجع
مشتاق ليك ومعاي يوماتي
مالي علي في الدنيا حياتي
عايش جوة فؤادي معزة
زي ما أكون غرقان في ذاتي
شادد عصب الحس السادس
وراجي رياح العودة وآهاتي
نرجع لأيامنا الحلوة
والأفراح بيك تملأ حياتي
مدرسة غنائية خاصة:
الفنان الكبير الطيب عبد الله فرض مدرسته الغنائية ذات الحزن الخاص وأصبح في زمان ما هو الناطق الرسمي باسم كل الحزانى والعشاق، أغنياته كانت تعبيراً حقيقياً عن صدق الشعور واحتشاد العاطفة البريئة في أغنياته التي كانت تعبر عن تجاربه الشخصية في الحياة. وذلك الصدق واقعيته كانت سبباً في أن تكون كل أغنياته جزءاً من الحياة اليومية السودانية.. وحزاينية الطيب عبد الله أكثر ما تتضح في أغنيته الكبيرة “السنين” ويتجلي في “يا غالية يا نبع الحنان” ويمتد الى “فتاتي”، ولكن غياب الطيب عبد الله الطويل عن أرض الوطن جعل غنائيته في حدود ضيقة ولا تجد مثل ذلك الانتشار القديم.
الثراء الإبداعي:
الثراء الإبداعي الذي اكتنف تجربة الأستاذ الطيب عبد الله كان مساره الحزن النبيل.. ولعله يشير إلى أن زواجه وانفصاله من نعمات حماد كان تجربة عادية للغاية، ولكن هناك من يزيد معاناته، وهذا أمر عادي فالتجربة انتهت بالطلاق والانفصال، ولم تكن تجربة مريرة، حياته مليئة بأسباب عديدة للحزن والشجن، فقد كتب وتغنى قبل أن يلتقي نعمات حماد وبعدها ولا علاقة لها بهذا الأمر.
مكامن الجرح:
ربما لا يريد الأستاذ الطيب عبد الله أن يفتح مكامن الجرح.. وربما لا يريد هذه السيرة.. وربما وربما.. ولكن كل ذلك تاريخ لا يجب إغفاله لأنه كان سبباً في تشكيل مدرسة الطيب عبد الله الغنائية.. وهو في تقديري لا يملك الحق المطلق في الكشف عن أسباب هذا الشجن الدافق في غنائيته.. وبكل تلك المعطيات كان لزاماً علي أن أبحث وأنقب في التفاصيل الخافية ومن أهم تلك الأسباب الخافية التي ذكرتها الدكتورة نعمات حماد بالأمس حينما بررت الأسباب التي جعلتها تتعلق بالطيب عبد الله.. وأسباب ذلك التعلق ترويها نعمات حماد بقولها (عند حضوري من ألمانيا جيت ولقيت حاجة جديدة. فوجدت السودان كله يتحدث بحاجتين هما جكسا والطيب عبد الله.
قدري ويومياتي:
ذكر الأستاذ الطيب عبد الله وقال من قبل (كثيرة هي القصص.. عديدة هي المآسي في حياتي، إنها تنبض من ذاتي، من قدري ويومياتي، ولكن من أين تنبع ومتى تتدفق هذا ما لا أعرف سره وتفسيره، قد أكون سعيداً وما إن أبدأ الغناء حتى تتفجر ينابيع الشجن في صوتي حتى حينما أكتب الشعر لا يأتي إلا دموعاً ولوعة فأصبح رسالتي وحياتي وسعادتي).
صحيفة الصيحة