قدم الدكتور عبد الله حمدوك رئيس الوزراء، خطاباً للأمة السودانية قبل أيام قلائل، وبعد غيبة طويلة، وفي ظرف خطير، وبعد رفع الدعم عن المحروقات “بنزين وجازولين”، والخطاب كانت التوقعات فيه كبيرة، ولكن جاء مُحبطاً، مُخيِّباً للآمال وليس فيه جديد، ولم يتحدث عن حل أي معضلة تخص وتهم المواطنين، ومتى وكيف معالجة هذه المشاكل التي ألمّت بالبلاد والعباد، وآخرها صراع الفَيَلَة بين وزارة المالية ولجنة إزالة التمكين، ولا حتى الصراعات والانفراطات الأمنية التي شملت كل أنحاء السودان، بل لم ينظر إلى الغلاء الطاحن وارتفاع الأسعار الجنوني، ولا تردي الخدمات، ولا قطوعات الكهرباء، ولا انعدام المياه في الخرطوم، ولا ازمة المواصلات، بل لم يتطرّق للخلافات الحادة جداً وسط حاضنته السياسية والتي صارت أكواماً، بل لم يتحدث عن المظاهرات وتتريس الشوارع، ولم يتحدث عن استقالته وإقالة الحكومة التي فشلت مما جميعه، ولكن طلب من الشعب الصبر والمزيد من الصبر!!
صار دكتور حمدوك والشعب كقصة الرجل، الذي استدان مبلغاً من المال وعجز عن سداد المبلغ للدائن، لأنه لا يملك ما يُسدِّد به دَينه رغم أنه يرغب حقيقةً في السداد، فحضر الدائن اليه في مزرعته التي فشل أن يستثمرها، وصارت مجلساً للحكي وقضاء الوقت، وعندها أخرج المُدين بلحه من جيبه وأكلها وقام بغرس النواة في الأرض، وقال للدائن ابشر بالخير “شفتَ البلحة دي إن شاء الله قريب تبقى نخلة وتشيل ثمار، وأول حصادها عليّ بالطلاق تأخد قروشك على داير المليم وتشيل تمر لوليداتك وجيرانك كمان”.. وهنا ضحك الدائن على سخم المُدين، فعاجله الرجل، وقال للدائن لك حق أن تضحك لأنّك ضمنت حقك!!
عليه، الدكتور حمدوك جعلنا معشر الشعب كصاحب الدَّين هذا، وخاطبنا على طريقة المُدين وضحك علينا بطريقة الدائن، وحاول أن يجعلنا ننتظر حتى تقوم النواة، وتقوم شجرة الدولة وتشيل الثمار والبلح، وتثمر ثم من ريعها يحسن حال الشعب!!
بل الأدهى ان يقول أكفيكم في ولدة النخلة العاشرة، لأن النخلة أثمرت حيفاً وحشفاً ونواة، بل يمكن يقول إنّ النخلة في أرض مُتنازع عليها وداخلة في قضية فساد، لا بد أن تفصل في ذلك لجنة إزالة التمكين، وقد تكون فيها شكوى للمحكمة الدستورية، وانتظروا الى حين أن تقوم المحكمة الدستورية لتفصل في الأمر، ولن تقوم المحكمة الدستورية إلا بقيام مجلس القضاء العالي الذي يحتاج قيامه إلى قرار من المجلس التشريعي وهو داخل محصاصات قحت، وهي بين الجمع والطرح.
وهكذا صرنا ننتظر الغيب، وصرنا نسمع ضجيجاً ولا نرى طحناً!!
توقّعنا ونحن نُتابع الخطاب بُشريات عظاماً، خاصة وأنهم وعدونا بالمنِّ والسلوى بعد مؤتمر باريس، الذي حتى خاطبته (آلاء) ممثلة الشعب السوداني (الاتيم)، ولكن يبدو أننا شربنا مقلباً، وبقيت علينا حكاية النصراني الذي اسلم ومات مباشرةً وصار لا النصارى راضين عليه ولا المسلمون راضين.
عليه، أخي حمدوك، الشعب لا ينتظر القدر، يُريد حلولاً وهي موجودة، وأنا أساعدك وأتبرّع لك ببعضها مجّاناً ولله، وما داير عقد استشارة وهي:
١/ تغيير الحاضنة السياسية، لأنها صارت شلة. وليس لها نصيبٌ لا في العير ولا في النفير، ماذا ترجو من أحزاب عمرها لم تحصل على دائرة جغرافية واحدة، وكوِّن حاضنة من قوى سياسية مُعتبرة لها رأي ووزن أو خلي حزب الأمة القومي لوحده يكفيك.
٢/ حل الحكومة وأأتي بحكومة قومية وطنية جامعة ومؤهلة ولها سند جماهيري وشعبي وتفهم في إدارة الدولة.
٣/ أطرح مشروعا وطنيا للفترة الانتقالية، خلي الشعب يلتف حوله وأعمل لتنفيذه ويعمل معك على تنفيذه.
٤/ أطرح روية اقتصادية متكاملة واعتمد فيها على الإنتاج، وجهِّز آلياته ومطلوباته، وأخرج من اقتصاد الأفندية، وأذهب إلى اقتصاد الرعاة والتربالة، وإيّاك واقتصاد حشّاش بدقنه.
٥/ أعمل إصلاحات حقيقية في هياكل وأجهزة الدولة، وليست على طريقة التمكين التي نراها تبديل تمكين يميني بآخر يساري، وضَع الشخص المُناسب في المكان المُناسب.
٦/ انفتح على الشعب، أذهب إلى الأفراح والأتراح عشان تلاقي الشعب وتسمع لهم.
٧/ كُن حاكماً “مالي قاشٌه” ولكل المواطنين، وتخلّص من الشلة التي ضاربة حولك طوقا، وكل ذلك لمصالحها وعملتك حيطة تنامين عليها.
٨/شيل كيسك وأذهب إلى السوق شوف الخضار واللحم بكم، وأقف في صف الرغيف والبنزين والغاز، وأدفع فاتورة الكهرباء والمياه ورسوم النظافة غير الموجودة، وكمان ما تنسى تدفع العتب، زور المدارس والمستشفيات وهكذا…
أخي حمدوك، لو صرت مُنتظر الغيب والقدر، هكذا عليك أن تنتظر كلام مني أركو مناوي في آخر مخاطبة له بقاعة الصداقة.
رسالة أخيرة
الشعب السوداني، شعبٌ جَبّارٌ خطيرٌ، يمهلك ولا يهملك، ورِجله دائماً في الجاز، وهو عصيٌّ على الحكام لا يستكين، وعليك أن تختار بين الشلة التي حولك أو الشعب السوداني!!!
وأعتقد نجاتك ونجاة الوطن في مركب الشّعب السُّوداني.
تحياتي،،،
صحيفة الصيحة