يوسف السندي يكتب الشعب والحكومة واللغة المفقودة

تعاني بلادنا من أزمة حكم مزمنة ساهمت في تعميقها مركزية الحكم التي اتبعت بصورة مستمرة عبر تاريخنا الحديث مما جعل المواطن بلا سلطة ولا يشارك في أي شأن متعلق بالحكم، وهذا ما جعل الصراع على السلطة في معظم الاوقات شأنا بعيدا عن اهتمام المواطن، لذلك حين تنامت الثورة وشعر المواطن أخيرا بأن هناك فرصة له للمشاركة في اتخاذ قرار يعيد به ترتيب شكل السلطة اندفع بكثافة في الثورة حتى نجحت، الكثيرون الآن من عامة المواطنين لو سألتهم عن المفهوم الثوري الذي جعلهم يثورون ضد الإنقاذ لما وجدت إجابة واحدة، بل ستجد الاف ان لم يكن ملايين الاجابات، فالناس عادة لا يصلون في كل الأوقات إلى السبب الحقيقي الخفي لسؤال كبير كالثورة السياسية او الدينية، وإنما يعبرون عن أشياء سطحية هي مجرد انعكاسات ونتائج عن جوهر السبب الحقيقي.

لهذا السبب قد يتراجع الكثيرون عن الثورة في وقت مبكر بعد انتصارها، وهذا التراجع ناتج عن عدم تحقيق حكومة الثورة السريع لافكارهم السطحية البسيطة التي غطت على جوهر السبب الرئيسي للثورة، وهكذا كلما مر الوقت يتساقط الناس عن التمسك بالثورة وحكومتها حتى نصل لمرحلة (لو شالها كلب ما في زول بقول ليهو جر )، لذلك مهم من اجل اجتذاب الجماهير للحكم الثوري والديمقراطى ان تبتدع حكومة الثورة إجابات شافية على كل الأسئلة السطحية البسيطة التي تهم الملايين، في نفس الوقت الذي تعمل فيه على الإجابة العميقة على أسئلة الحكم.

الخطوة الأولى التي تحتاجها الحكومة هي الحديث مع الجماهير، الاستماع إليهم، والوصول إلى هذه الأهداف الصغيرة المنتشرة بين الجماهير والعمل على تبويبها وتصنيفها ومن ثم تحقيقها أبتداءا بتلك التي تطلبها الاكثرية ثم الذهاب تنازليا في الأهداف، قد تكون هذه العملية في السابق صعبة، ولكنها سهلة جدا الآن في ظل وجود شركات الاتصالات وشبكة الانترنت، وهي وسائل متاحة وغير مكلفة، يمكن للدولة ان تستخدمها بطرق مبتكرة للتواصل مع الشعب، الغالبية العظمى من السودانيين المساهمين في الثورة يملكون الهواتف، من لا يملك إنترنت يمكن الوصول اليه عبر الهاتف ومن يملكه يمكن الوصول اليه عبر الوسيلتين الهاتف والانترنت، هل هناك وزارة اسمها وزارة الاتصالات؟ أليس هذا دورها؟ الربط بين الحكومة والجماهير، كسر الحواجز وبناء الصلة العضوية بينهما، هذا دورها الحقيقي، وليس توفير الشرائح والاقمار الصناعية والبث الفضائي وحقوق الشركات والتقنيات وغيره.

كذلك مهم ان تعمل الحكومة عبر هذا الرابط التقني على ايكال بعض السلطات إلى الجماهير، اشراكها في السلطة، الشعب يريد ان يكون صاحب سلطة، اشراكه عبر طرح الأسئلة والاستفتاءات والخيارات، ان لم يكن هناك برلمان حقيقي منتخب، فهناك برلمان تقني، هناك لغة أخرى للوصول لهذا الشعب الذي لديه آمال بسيطة وأحلام بسيطة هي أن تتواصل معه حكومته ان تسمعه وتشركه في شأنه، فهل هذا صعب ومستحيل؟ كل ما هناك هو الابتكار، الإبداع والاستفادة من الوسائل الموجودة.

صحيفة السوداني

Exit mobile version