يوسف السندي يكتب معركة جبريل ووجدي

تحول الجدل بين وزير المالية جبريل ابراهيم وعضو لجنة إزالة التمكين وجدي صالح إلى حرب مستعرة، وهي تشبه المعركة التي أثارها وزير الصحة السابق أكرم التوم مع وزير المالية السابق ابراهيم البدوي حين صرح أكرم بأن وزارته لم تستلم أموال كرونا، ورد البدوي بانه قد تم تسليمها وطلب البدوي من رئيس الوزراء اجلاءا للحقائق تكوين لجنة تحقيق في هذه القضية حتى لا يكثر اللغط والقيل والقال، وقد كانت خطوة البدوي حاسمة وحازمة حين طالب بلجنة التحقيق، والتي لم نسمع بعدها ولا كلمة من أكرم التوم، وخمدت سريعا الزوبعة. على ذات المنوال، وبدل ان يتحول الجدل الدائر بين وزير في الحكومة وعضو لجنة حكومية إلى قضية رأي عام بهذا الشكل التهريجي الذي أراه في الوسائط، والذي لن تخسر بسببه سوى الحكومة الانتقالية، ان يتم تكوين لجنة تحقيق في أمر أموال لجنة إزالة التمكين وأين ذهبت، فهذا السؤال لن يجاوب على جبريل ابراهيم فقط بل سيجاوب على أسئلة كثيرة في الشارع عن مصير هذه الأموال التي نسمع بها ولا نراها والبلاد في كل صبح جديد تغرق وتغرق.

منذ فترة يهاجم الكثيرون جبريل ابراهيم بسبب خلفيته الاسلامية وان كان هجوما (على خفيف)، الآن وبعد ان مس لجنة إزالة التمكين، بقرة البعض المقدسة، إرتفع سقف الهجوم عليه، وهو هجوم في الاتجاه الخطأ، جبريل ابراهيم لا يحتاج تزكية من احد، فهو مناضل قاتل الإنقاذ بالسلاح، وقدم في سبيل ذلك شقيقه الدكتور خليل إبراهيم شهيدا حين اغتالته الانقاذ بهجوم صاروخي في ٢٠١١، لذلك وان كانت خلفية جبريل وخليل إسلامية وشاركوا في الإنقاذ الأولى فإنهم خرجوا عليها وقاتلوها ودفعوا ثمنا باهظا في ذلك هو روح خليل ابراهيم، لذلك لا أرى أي داع للهجمة الشرسة على جبريل ابراهيم، بل العكس المطلوب احترام نضال حركته واكبار توقيعها للسلام مع حكومة الثورة وعدم توقيعها اتفاق سلام مع الانقاذ، وان كان البعض يعتبر حركة جبريل ذراع عسكري للمؤتمر الشعبي فحتى حين شارك المؤتمر الشعبي في حكومة الانقاذ لم يوقع جبريل اتفاق سلام معها مما ينفي عنه هذه الصفة، لذلك ليس من الحكمة حصر حركة العدل والمساواة بعد قتالها الطويل للانقاذ منذ عام ١٩٩٩ في ركن ضيق واتهامها بالاسلاموية على طريقة المثل الشهير (كان طارت غنماية)، وهو ما قد يجعلها تفقد الثقة بالفعل في التيارات الثورية وتتجه للتحالف مع الاسلاميين، وهو ما سيكون في غير صالح الثورة، لن يخسر جبريل شيئا حتى وان فض اتفاق السلام، هو جاء بحركته من الغابة وسيعود إلى الغابة مرة أخرى اذا تفرعن عليه البعض وحاول أن يوزع عليه صكوك الوطنية وينتزع منه الانتماء للثورة، مهم ان نتحمل بعضنا ولا بأس ان نختلف ولكن ليس لدرجة ارغام البعض على اللجوء الى التحالف مع الدولة العميقة.

معظم الأحزاب السياسية التي تقود الثورة اليوم شاركت في الإنقاذ كما شارك فيها جبريل ابراهيم، وخرجت عليها كما خرج عليها جبريل ابراهيم، لا فرق، فلتهدأ هذه الحملة المنحازة ضد جبريل ابراهيم فهي ستخسرنا السلام وربما اعادتنا للحرب مرة اخرى، ولنحترم شركاء السلام من الحركات المسلحة وتضحياتهم، ولا يجب أن يكون لدينا (خيار وفقوس)، فالبعض من النشطاء ضد جبريل معجبين بعبدالعزيز الحلو ومفتونون به ويظنونه أمير المناضلين، وهم لا يدرون بان الحلو هذا كان شريكا للانقاذ لستة سنوات ونائبا لاحمد هارون المطلوب لمحكمة الجنايات الدولية، لذلك لا فرق بين السياسيين ولا الحركات، جميعهم شارك الإنقاذ ان كانت الشراكة جريمة، وجميعهم ثاروا على الإنقاذ بعد ذلك ونالوا شرف الثورة، والثورة تجب ما قبلها.

لجنة تحقيق رسمية، او لقاء بين رئيس الوزراء ووزير المالية ولجنة التمكين سيكون كافيا لوضع النقاط على الحروف واخماد هذه النار التي بدأت تستعر و(البلد ما ناقصة)، هناك عشرات الحرائق في المجلس التشريعي وفي قحت وفي الشراكة بين المدنيين والعسكريين وفي الأسعار وفي الموسم الزراعي وفي سد النهضة والخ، وآخر ما نبحث عنه هو حريق أخر داخل الأجسام التنفيذية للحكومة.

صحيفة السوداني

Exit mobile version