-١-
خطابُ رئيس الوزراء الدكتور عبد الله حمدوك الأخير، يعتبر الأفضلُ نسبيًا مُقارنةً بخطاباتِه السابقة.
توفَّر في الخطاب قدرٌ من الصراحةِ المطلوبةِ والمباشرةِ غير المعهودةِ في ما سبَق من خطابات.
والأهمُّ من ذلك، خروجُ رئيس الوزراء من معتقلِ العباراتِ المحفوظةِ والمستهلكةِ والتي تحوّلت إلى مادةٍ للسخريةِ والاستهزاء.
مَردُّ التحسُّن النسبي في نصِّ الخطاب ومداولاته هو حُسنُ الإعداد والترتيب.
ربَّما تحققَّ ذلك بوجودِ الأستاذ فيصل محمد صالح في الدائرةِ الاستشارية القريبة.
-٢-
من الواضح أن القضية الاقتصادية كانت مركز الخطاب، باعتبارها الهَمّ الأكبرَ للمواطنَ والتحدي الأعظمَ للحكومة.
في مُستهلِّ الخطاب، أوضحَ حمدوك أنه يعِي بحقيقةِ الأوضاعِ الاقتصاديةِ التي يُعاني منها المواطن.
تخاطبُ تلك الإشارةُ وما تبِعها من حديثٍ، عن جلوسِ الرجلِ في برجٍ عاجيٍّ، مما أصبح انطباعاً راسخاً بانعزالِ الرجلِ عن الهمومِ اليوميةِ وضعفِ إحساسه بمعاناة مُواطنيه..!
تلك الإشارةُ وحدَها لا تكفي لإزالة ذلك الانطباع، لا بدَّ من خطواتٍ عمليةٍ تُقرِّب حمدوك من غِمار الناس، خارجَ دائرة مركزِ حديقةِ أوزون..!
-٣-
برَّر دكتور حمدوك، قلةَ حديثهِ للناس بأنه يريدُ لقراراته وسياساته التحدثَ نيابةً عنه.
كان ذلك التبرير سيكون مقبولاً إذا كانت الإطلالاتُ على قلتها، ذات معنىً عميقٍ وتحملُ جديداً.
أمَّا أن يغيب رئيس الوزراء عن الحديث لفترةٍ طويلة، ثم يأتي ليكرَّر ما قاله من قبلُ فذلك خصْمٌ عليه..!
أتمنَّى ألا يطولَ الوقت حتى يكتشف حمدوك أن قراراتِه وسياساتِه في إدارة دولاب الدولة لا تُخبرُ عنه بخير..!
لا يزالُ في الوقت مُتّسعٌ ولو قليلٌ لتصحيح السياسةِ وتصويبِ القرارات حتى يطمئنَّ المواطنُ أن حمدوك هو الرجلُ المناسبُ في المكان الصحيح.
-٤-
رئيس الوزراء قال إنه وجد خزينةَ الدولة فارغة، و هذا صحيحٌ، ولذلك سقط حكمُ البشير.
وما على حمدوك إدراكُه أيضاً، أنه سيصل إلى ذات المصير إذا ظل الوضعُ على ما هو عليه، بل مضى إلى الأسوأ، دون مُعالجاتٍ حقيقيةٍ وبوعودٍ مرسلةٍ إلى المجهول..!
قال “لن نُقدِّم للناس صوراً زاهية وردية”، فهو لن يستطيع، ولو أراد؛ فالأفعالٌ أبلغُ من الأقوال، وواقعُ الحال يُغنِي عن السؤال.
-٥-
رَدَّ رئيس الوزراء تراجُعَ إيرادات الدولة لـ٤٠٪ إلى “جائحة “كورونا”.
صحيحٌ الجائحة أضعفتْ اقتصاديات جميع الدول، ولكن سوءَ إدارةِ الدولة كان أفدحَ على اقتصادِنا من ذلك الفيروسِ اللعين..!
تقريرُ البنك الدولي يتحدثُ عن تراجعِ الدخلِ القومي السوداني من ١٢٣ ملياراً في ٢٠١٧ إلى ٢٣ ملياراً فقط في ٢٠١٩..!
-٦-
سيكتشفُ دكتور حمدوك قريباً جداً، أنه لا جدوى كبرى من مشروعِ (ثمرات) لدعم الأسر السودانية.
نعم سيكون ضعفُ قاعدة المعلومات سبباً أساسيّاً لفشل المشروع – كما أشار حمدوك – ولكن الأهم من ذلك سذاجةُ الفكرة وشُحُّ الخيال وبذورِ الفساد التي ستضعها على الأرض.
كان سيبلغ المشروعُ مُنتهاهَ السعيد وسيحقِّق جدواه المثمرة إذا قام على تعليمِ الصيد لا مَنحَ السمك الجاهز.
أخطرُ ما في فكرةِ مشروعِ (ثمرات) تحويلُ الشعب السوداني إلى مُتسوِّل
معتمدٍ على موائد المُنظّمات الدولية..!
وعلى قول الصديق الحبيب فوزي بشرى :(كان على “ثمرات” أن تكون بذورًا في الأرض ، لا قروشا في الجيب)..!
-٧-
دعا حمدوك، القوى الجماهيرية لفرضِ خيارِ الوحدةِ على القيادات السياسية، لضمانِ نجاحِ الفترة الانتقالية.
بمزيدِ من الاطلاع والمتابعة، سيجدُ رئيسَ الوزراء أنَّ الانقسام والتشظي ضَرَبا قاعدةَ الكتلةِ الجماهيريةِ التي جاءت به إلى مقعدِه الحالي.
-٨-
قال إنّه راهنَ على العمل المؤسسي وتوسيعِ دائرةِ التشاورِ وعدمِ شخصنةش النجاحات.
أكبرُ أزماتِ الحكومةِ الانتقاليةِ الحالية، غيابُ العملِ المؤسسي وتداخلُ السلطات.
غيابُ المؤسسات كوجودٍ ومبنىً لا كعملٍ ونشاطٍ ومعنىً!
مَن يصدِّقُ وجودَ مؤسساتٍ، فاعلةٍ وعادلةٍ ومنصفةٍ، مع تعطيلِ عمل المحكمة الدستورية؟!
مَن يشترى قصةَ وجودِ عملِ مؤسسيٍّ تنفيذيٍّ مُقنعٍ ومنضبط، في ظل غيابِ المجلسِ التشريعيِّ والرقابي..؟!
– أخيراً –
رئيسُ الوزراء يرفضُ شخصنةِ النجاحات، وعلينا أن نطلبَ منه تحقيقها في الواقع أولاً، ومن ثَمّ يتركُ للشعب توزيعَ الأنصبةِ على من يشاء!
واقعُ الحال يقولُ نقيضَ ما قيل، ليس هنالك مساعٍ لاحتكار نجاحٍ متحقق، ولكن تُوجدُ مُحاولاتٌ من جميعِ الأطراف، لإنكار نَسَبِ الفشلِ ونَفْيِ أُبوَّتِه..!
ضياء الدين بلال
صحيفة السوداني