هل يستشعر المسؤولون وجود أزمة وطنية كبيرة وحادة تقتضي التعامل معها بما يلزم من تدابير تعصم البلاد من الانفلات والتفلت والتشرذم والضياع!؟ أسوأ ما يحدث الآن أنك لا تستشعر وجود (كبير ) في كابينة القيادة او ( كوتش) يسعى لإنهاء الفترة الانتقالية ولو بالتعادل، ويحافظ على تماسك ما تبقى من الخريطة..
الأسوأ أنه لاتوجد رؤية للتعامل مع الأزمات في سواء كانت سياسية او اقتصادية او أمنية ، غابت الاستراتيجيات الموجهة؛ وفقاً لأحكام النظام الأساسي لتعاطي الحكومة مع التعقيدات الداخلية والتحديات الخارجية، لذا فإن ما يحدث الآن هو نتاج طبيعي لحالة التوهان وضياع البوصلة..
أجهزة الدولة في جزر معزولة كل يناجي ليلاه، ويمضي على هواه دون ترتيب او تنسيق لوحدة تحكم مركزية تقود دفة الأحداث إلى تماسك واستقرار الوطن وخير المواطن..
على صعيد السلام مازالت تتواصل المفاوضات العبثية في جوبا وتأبى أن تغادر محطة الجمعة ووضعية البسملة في وثائق الدولة وكأنما هذه هي أزمة السودان، مازالت المسارات وما أسفر عنها مثار تندر ، وبدلاً من أن تحل الأزمة هاهي تفاقم المشكلات، مضت الحكومة بلا هدى لتحقيق مكاسب تكتيكية لأفراد يسعون لتقوية نفوذهم في السلطة، ولكن مثلما نتابع وقف (حمار الشيخ) في العقبة، وبدلاً من أن يأتي منبر جوبا بالسلام هاهو يفاقم من أزماتنا الوطنية في الشرق والشمال بينما يتعثر الأمر في دارفور ويستحيل مع عبدالعزيز الحلو وعبد الواحد محمد نور.
مع أبرز التحديات الخارجية فشلت الدولة في تحويل فتوحاتها الداخلية لمكاسب اقتصادية او دبلوماسية، هنالك ملفان كان بالإمكان ان ينعكس عليهما تحسن العلاقات الخارجية.
في سد النهضة مازال الموفدون الدوليون ينهون زياراتهم إلى السودان وإثيوبيا دون أي إنجاز يحقق الاختراقات المطلوبة ويمارس أدنى درجات الضغط على إثيوبيا التي تسرح وتمرح، مستقوية بعلاقاتها الدولية، لاتوجد حتى الآن أية استراتيجية وطنية للتعامل مع سد النهضة، مازال المواطن السوداني حائرا بين دعوات تسوق لفوائد السد، وأخرى ترفضه وتعتبره شراً مستطيراً، وأعتقد أن الحكومة أيضاً لاتعلم ، بالأمس القريب كان وزير الري يتحدث في مؤتمره الصحفي عن فوائد لسد النهضة أكثر من مضار. ويعلن أن السودان يبحث عن اتفاقيات قانونية للاستفادة من ميزات السد.
على الصعيد الاقتصادي تستمر الجعجعة بلاطحين يذكر ، رغم تطبيع العلاقات مع اسرائيل وتحسنها مع الولايات المتحدة مازال السودان في عنق الزجاجة يواجه أوضاعاً معيشية صعبة ، يعاني مواطنه الأمرين في سبيل الحصول على خبز وماء ووقود، تنقطع الكهرباء وينعدم الغاز وينعدم الدواء في دولة أعلنت التطبيع مع إسرائيل برعاية الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها في المنطقة.
على صعيد الداخل؛ مازالت الأزمات تحكم بتلابيب المواطن، مشكلات في الخبز والمياه والكهرباءوالوقود والغاز، والدواء كل ذلك مع ارتفاع قياسي لمعدلات التضخم ، وغلاء فاحش أحال حياة المواطنين إلى جحيم، زيادة الوقود بنسبة 100%, هذه الأوضاع لن تقود إلى أي استقرار في الفترة الانتقالية الأمر الذي يرشح الأحوال لمزيد من التدهور.
على الصعيد الأمني، باتت الأوضاع على قدر من الخطورة التي قد تكلفك حياتك إن حاولت إجراء مكالمة في الشارع العام حتى في فترات النهار، استبد الجوع ببعض الناس فخرجوا شاهرين سواطيرهم غير مبالين بالقوانين ولا هيبة الدولة التي احترقت كذلك تحت نيران النزاعات القبلية، للأسف الخرطوم لم تعد بأفضل من رصيفاتها من المدن الأخرى بعد الارتفاع الكبير في معدلات الجريمة.
أما البيئة القانونية فمن المؤسف أن الدولة التى رفعت شعار حرية سلام وعدالة تعاني الآن من غياب او تغييب للمؤسسات القانونية المحكمة الدستورية ومجلس القضاء والمجلس التشريعي، البل هو شعار المرحلة دون التفات لإقامة دولة القانون، قبع الناس في السجون بلا تهم، واستبدت أحكام لجنة التمكين بمتهمين كثر لم يجدوا الطريق للاستئناف العادل.
لا أجد تعبيراً في كلمة واحدة موجزة لوصف ما يحدث الآن وما تواجهه البلاد من مخاطر أبلغ من وصف الفريق أول محمد حمدان دقلو نائب رئيس المجلس السيادي والذي استخدم مفردة ( انبشقت) لنعت الواقع بدقة ، نعم فقد انبشقت..ولم نعد ندري من أي مكان يمكن تجميع تماسك الوطن الذي تفرق دمه بين الأزمات .
صحيفة اليوم التالي