(١) نعى رئيس الوزراء السوداني د. عبد الله حمدوك؛ فقيد البلاد الراحل الأمير نقد الله، تقبله الله بواسع رحمته، وتحولت هذه التغريدة ذات الطابع الاجتماعي والإنساني لنعي للحكومة الانتقالية وشخوصها، بما يكشف عن حالة غضب واسع وسقوط الهالة الإعلامية، التي كانت تمثل أحد الروافع الثلاث للدكتور حمدوك وحكومته والحاضنة السياسية.
وأولها زخم الشارع وقوة تأثير الحاضنة، وثانيها مساندة المجتمع الدولي والمحيط العربي، وثالثها هالة إعلامية وسطوة على الرأي العام السوداني وفاعلية على مستوى وسائل التواصل الاجتماعي، وتلك قصة طويلة.
ومن قراءة واقعية وتحليلية، فإن تفتت بنية هذه الدعائم، كفيلة باستقالة د. حمدوك في أو قبل ٣٠ حزيران/ يونيو ٢٠٢١م، وهذا أفضل الخيارات، مع دعوة لانتخابات مبكرة وإنهاء حالة اختطاف الوطن وقراره.
(٢)
في يوم ٤ حزيران/ يونيو ٢٠٢١م حذفت شركة فيسبوك ٣٨ حسابا شخصيا و٣٠ صفحة، مزيفة ووهمية، وست مجموعات و٣٠ حسابا على إنستغرام. وجاء في تقريره في أيار/ مايو ٢٠٢١م عن الممارسات غير الأخلاقية أن هذه الصفحات تستهدف السودان ومن الداعمين للحكومة الانتقالية، وذات ارتباط مع بعض الوكالات الروسية وتحديدا “Russian Internet Research Agency” والمشار لها اختصارا بـ”IRA”..
وهذا امتداد لإجراء سابق قامت به إدارة فيسبوك في تشرين الأول/ أكتوبر ٢٠١٩م، حيث أوقفت حسابات تستهدف بصورة رئيسة دول الشمال الأفريقي والسودان.
وحسابات فيسبوك المعنية يتابعها أكثر من ٤٣٠ ألفا، بينما إنستغرام ٤٣ ألفا للحساب الواحد، وهذا تدفق هائل للمعلومات والأخبار والبيانات.
وقد استخدمت وسائل التواصل الاجتماعي في كثير من الأحداث السياسية، وتصاعد استخدامها منذ ٢٠١٧م. واكتشف بعض الخبراء عام ٢٠١٨م أن هناك ٥٣ صفحة على فيسبوك يتابعها أكثر من ١٣ مليونا، بعضها سياسي أو اجتماعي أو تخصصي. وقد كان ملفتا أن أغلبها تديره مجموعات من خارج السودان. لقد كان جليا أن ذلك جزء من خطة “خارطة الانتقال السياسي في السودان”.
لقد أدت هذه الإجراءات لكشف القناع عن أكبر حملة تضليل وتجهيل للمجتمع والأمة، وأصبحت التعبيرات أقرب للواقع، وهو واقع بئيس تعبر عنه حياة الناس وضنك العيش وغياب الأمن وتدهور الخدمات وشح العناية وضيق الأفق، لقد انفض السامر.
(٣)
خلال مخاطبته للجالية السودانية بالرياض في تشرين الأول/ كتوبر ٢٠١٩م، قال د. عبد الله حمدوك؛ إنه لم يتسلم أي برنامج اقتصادي من قوى إعلان الحرية والتغيير، وأنه ما زال ينتظر. كانت تلك مفاجأة أولى للحالمين برؤية متماسكة وحاضنة سياسية فاعلة وذات برنامج. لقد اختلطت الأوراق سريعا وأدت لتجميد حزب الأمة القومي نشاطه في ٢٣ نيسان/ أبريل ٢٠٢٠م، وتلاه الحزب الشيوعي السوداني في ٧ تشرين الثاني/ نوفمبر ٢٠٢٠م.
وهكذا تشتت الشمل وتنازعت الحاضنة حول الحكومة، ومع قدوم شركاء السلام الجدد في تشرين الأول/ أكتوبر ٢٠٢٠م، لم تعد هناك حاضنة سياسية، وأصبحت السهام صوب الحكومة الانتقالية، وبدأت الأفواج تبتعد عن الجثة الهامدة.
(٤)
في آب/ أغسطس ٢٠١٨م، أكملت مجموعة خبراء دولية بمساهمة من سياسيين وأكاديميين سودانيين رؤية “السودان وطريق الانتقال”. وبدأ المشروع في جامعة فرجينيا بالولايات المتحدة الأمريكية واستمرت لقرابة العام، وعقدت ورش عمل وسيمنارات في لندن ونيروبي وكمبالا وحوهانسبيرج بجنوب أفريقيا، وانعقدت في تشرين الثاني/ نوفمبر ٢٠١٨م فرق عمل في لندن، وهو ذات تاريخ مغادرة د. حمدوك العاصمة الإثيوبية إلى العاصمة البريطانية.
كل هذه الخطط والتدابير، أورثت السودان ضائقة معيشية وأكبر معدل تضخم، ليصبح أكثر الدول الأفريقية غلاء، وأكثر من ٩.٨ مليون نسمة من مواطنيه مهدد بالجوع هذا الصيف. وسوى ذلك، فإن وصفة البنك الدولي ورفع الدعم السلعي، كانت فاجعة على المواطن وذات تأثير بالغ على الإنتاج والإنتاجية، وتبخرت الأماني وتساقطت الوعود.
إن دعم المجتمع الدولي ومؤتمر المانحين وأصدقاء السودان، لم يجلب سوى خطب منمقة، فقد شغلت جائحة كورونا العالم.
(٥)
قراءة كل ذلك مع شخصية حالمة وغير مصادمة، ومع بيئة سياسية متنازعة المواقف، فلم يعد في الجسد منزع وفي الخيارات ملاذ سوى الاستقالة، وهذا ما نتوقعه.
لا يمكن أن يستجيب د. حمدوك لشروط الإذعان التي اقترحها الحلو، ومن ورائه أجندة حزب سياسي، أو الدخول في مواجهة مع الشارع دون غطاء سياسي، أو الركون للاشتراطات الدولية دون تحقيق تقدم ملحوظ على حياة المواطن.. سيرحل وكفى.
د. إبراهيم الصديق علي