اصابت الحيرة أجيال من السودانيين فيما يخص رفع الدعم لان كل شخص, حسب عمره, يكون قد سمع معظم وزراء المالية يعلنون عن رفع الدعم عشرات المرات. فهل الدعم عفريت يعود بعد كل مرة يقبر فيها؟
الحقيقة ان كل مشكلة الدعم تقريبا تتجذر في سعر الصرف. ففي كل مرة يوجد فيها فرق بين سعر الصرف الرسمي والموازي/الأسود تتحمل الحكومة الفرق وتسميه دعم. اذن المشكلة الحقيقة هي فروق وعدم ثبات سعر الصرف وهذا هو الباب الذي يعود منه عفريت الدعم من وادي الموت كل يوم.
ولكن لماذا يتهاوى سعر الصرف؟ ببساطة السبب الأول هو فرط الصرف الحكومي غير المنتج والذي يتم تمويل جله بطباعة الكاش. ويترتب على ذلك ارتفاع سعر الدولار وبالتالي تفاقم فاتورة الدعم. باختصار مشكلة الدعم يسببها انفلات سعر الصرف الذي يسببه الصرف الحكومي المسنود بطباعة الكاش لرفاهية الشرائح العليا من البيروقراطية المدنية والعسكرية والميليشياتية.
ومن أراد مثلا هذا أحد: مثلا تقول الحكومة ان هدفها بيع جالون البنزين بالسعر العالمي وقررت ان هذا السعر ثلاثة دولار. عند تسلم هذه الحكومة للمهام في أغسطس 2019 كان سعر الدولار في السوق الأسود 67 جنيها. اذن كان سعر جالون البنزين الحقيقي وقتها بدون أي دعم حوالي 201 جنيه.
ولكن منذ ذلك التاريخ طبعت الحكومة مئات المليارات من الجنيهات وكانت النتيجة ان انهيار سعر الصرف الي حدود 460 جنيها وهذا يعني ان سعر جالون البنزين الحقيقي غير المدعوم الذي ما زال ثلاثة دولارات قد ارتفع بالعملة السودانية من 201 جنيه الِي حدود 1380 جنيه وكل هذا الارتفاع سـبـبه استسهال الحكومة لطباعة الكاش وليس ان المواطن السوداني كسول أو غير منتج أو استهلاكي أو مدمن لصلة الرحم وشرب الشاي علي الجانب الاخر من الكبرى.
هكذا تصنع الحكومة المشكلة لتمويل بدرييها الجدد وتعاقب المواطن بطحنه بالغلاء للمرة الالف وتسيء اليه بالكذب والوقاحة.
المشكلة ان سعر الوقود لن يتوقف عن الارتفاع بما ان الحكومة لن تتوقف عن طباعة الكاش وبما ان المانحين حتى لو جادوا فانهم لن يدعموا الموازنة ابدا بل سيحددون أوجه صرف دعمهم في أنشطة لا علاقة لها بالموازنة لذلك ستستمر الحكومة في تمويل عجزها المتضخم بطباعة الكاش وستتفاقم نقدنة العجوز لان الحركات المسلحة يسيل لعابها للكاش تهدد بالعودة الي الحرب مرة اخري وهكذا يستمر التضخم وارتفاع سعر الصرف ومعه ارتفاع أسعار الوقود وأسعار كل الواردات والمنتجات المحلية.
هذه الحكومة مصابة بمتلازمة الجهل المركب والاستهتار بمصير الشعب وهي تتعامل مع الوطن كبيت ايجار أو غرفة في لوكاندة رخيصة يوما ما سينسحب قادتها منها الِي أحضان الخارج الذي ينفذون في أوامره علي امل بناء أو توسيع عشهم فيه.
معتصم أقرع