* أصدرت وزرة المالية قراراً أول أمس برفع أسعار الوقود بنسبة تزيد عن 90 %، وحددت (٢٩٠) جنيهاً لسعر اللتر من البنزين للمستهلك (1305 للجالون) و(٢٨٥) جنيه للجازولين (1265 للجالون)، وقالت ان أسعار الوقود ستخضع للمراجعة حسب سعر الدولار!
* ووجه القرار بتكوين لجان متخصصة لدراسة كيفية توفير دعم مباشر لقطاعات، الزراعة، والكهرباء ،والمواصلات لتعويض هذه القطاعات من عبء ترشيد دعم الوقود.
* وجاء في بيان لوزير المالية، ان الخطوة تأتي في إطار سياسة الدولة الرامية لإصلاح الاقتصاد الوطني وتأسيس بنية تمكن مؤسسات الدولة والقطاع الخاص من التعامل مع مؤسسات التمويل الدولية.
* ولفت الى أن عملية تحديد السعر تخضع لتكلفة الاستيراد والتي تشكل ما بين ٧١٪ إلى ٧٥٪ من سعر الوقود، مضافاً إليها تكاليف النقل ورسوم الموانئ وضريبة القيمة المضافة وهامش الربح لشركات التوزيع، وتشكل هذه التكاليف مجتمعة ما بين ٢٥٪ إلى ٢٩٪ من سعر البيع للمستهلك.
* وأكد البيان أن السودان يعتبر بعد تحرير الأسعار سادس أرخص دولة من أصل ٤٢ دولة أفريقية، حيث أن سعر الوقود في بعض دول الجوار يفوق ضعف التسعيرة المتوقعة وذلك لتضخم الضرائب المفروضة في معظم الدول الأفريقية.
* وراهنت وزارة المالية على سياسة رفع الدعم عن الوقود، وأكدت أنها كفيلة بإزالة العديد من التشوهات في الاقتصاد حيث تنفق الدولة حوالي (المليار دولار) سنوياً دعماً للمحروقات، والذي لم يكن يستثني الطبقات المتوسطة و الغنية، عوضاً عن توجيهه للسند المباشر للقطاعات متدنية الدخل والمستحقة للدعم.
* ابدأ تعليقي من حديث الوزير بأن “السودان هو سادس أرخص دولة من بين 42 دولة أفريقية في سعر الوقود” .. وهي كذبة صريحة إذ أن المقارنة بين دولة وأخرى لا تؤخذ فقط بسعر السلعة وإنما بعوامل كثيرة منها مستوى المعيشة ودخل الفرد والحد الأدنى للأجور والميزات الأخرى التي يجدها المواطن، وهو أمر لا يخفى بالتأكيد على وزارة المالية ووزيرها وخبرائها، ولكنها الرغبة الجامحة في الكذب والخداع!
* على سبيل المثال قد يكون سعر الوقود (البنزين مثلاً) في إحدى الدول التي أشار إليها البيان أعلى بكثير من السودان، ولكن مستوى المعيشة ودخل الفرد فيها أعلى من السودان، بما لا يشكل سعر الوقود عبئا عليه مقارنة بمستوى معيشته ودخله، والعكس صحيح، فقد يكون سعر الوقود منخفضاً في السودان مقارنة بتلك الدولة ولكن يصعب على المواطن شراءه لانخفاض مستوى المعيشة وضآلة الدخل. بالإضافة الى ذلك العوامل الأخرى وكمثال خدمات التعليم والعلاج التي قد تكون مجانية بالكامل في دولة وذات تكلفة عالية في دولة أخرى، وبالتالي فمن الكذب والخداع أن يخرج علينا الوزير ببيان يقول فيه ان السودان سادس أرخص دولة في سعر الوقود من بين 42 دولة أفريقية بدون أن يضع في الاعتبار العوامل الأخرى!
* يقول الوزير ان الخطوة (رفع اسعار الوقود) تأتي في اطار سياسة الدولة الرامية لإصلاح الاقتصاد الوطني وتأسيس بنية تُمكّن مؤسسات الدولة والقطاع الخاص من التعامل مع مؤسسات التمويل الدولية، ونتساءل ما هي سياسة الدولة الرامية لإصلاح الاقتصاد والخطط التي وضعتها لتنفيذ هذه السياسة، إذ لم نقرأ ولم نسمع شيئاً عن هذه السياسة والخطط سوى موافقة الحكومة على شروط مؤسسات التمويل الدولية وصندوق النقد بتعويم سعر الجنيه وتحرير الاسعار وتحميل كل العبء للمواطن بدون وجود أي خطة للإصلاح كما يزعم الوزير!
* أعطى هنا مثالاً واحداً من جمهورية مصر العربية التي دخلت قبل بضعة اعوام في مفاوضات مع صندوق النقد ومؤسسات التمويل وافقت خلالها على تعويم الجنيه وتحرير الاسعار ولكنها حصلت في المقابل على قروض ضخمة بلغت أكثر من 12 مليار دولار من صندوق النقد (على عدة مراحل) لتنفيذ بعض المشروعات في مجال البنية التحتية والطرق والسكة حديد والكهرباء .. إلخ وتحقيق اصلاح حقيقي في الاقتصاد المصري وتثبيت قيمة الجنيه المصري مقابل العملات الاجنبية وتوفير الخدمات والسلع بأسعار معقولة، بالإضافة الى استمرار مجانية التعليم والعلاج الحكومي، وبالفعل نجحت في غضون ثلاث سنوات من تحقيق اصلاحات وتثبيت قيمة الجنيه المصري وتوفير الخدمات وإحداث طفرة كبرى في مشاريع البنية التحتية، فأين هي سياسة الحكومة السودانية الرامية لإصلاح الاقتصاد التي يتحدث عنها الوزير، إلا إذا كانت هذه السياسة هي الخضوع لشروط الصندوق فقط بدون الحصول على أي مقابل لتحقيق عملية الاصلاح!
* من السذاجة والغباء أن توافق على شروط وتشرع في تنفيذها قبل ان تحصل على مقابل، ثم تسعى للحصول على المقابل لاحقاً، وهو أمر لن يتحقق إطلاقاً إلا إذا كان الطرف الآخر أغبى منك، وهو بالطبع أمر مستبعد من مؤسسة مثل صندوق النقد تضم عتاولة الرأسمالية في العالم، ودرجت على خداع السذج والبسطاء !
* أما الكذبة الكبرى التي يريدنا الوزير أن نصدقها بكل بساطة فهي حديثه عن “تكوين لجان متخصصة لدراسة كيفية توفير دعم مباشر لقطاعات، الزراعة، والكهرباء ،والمواصلات لتعويض هذه القطاعات من عبء ترشيد دعم الوقود” .. وكأننا سذج وأغبياء لا نعرف ماذا تصنع هذه اللجان !
* ومن المخزي والمؤسف أن ترفع الدولة أسعار سلعة خضوعاً لشروط أجنبية ثم تعجز عن توفيرها وتستمر معاناة الناس في الحصول عليها وتظن انك تخدعهم بالحديث بأنك تسعى بهذه الخطوة تحقيق الإصلاح، فأي اصلاح سيتحقق مع استمرار العجز والمعاناة وانعدام البرامج والخطط ؟!
زهير السراج
صحيفة الجريدة