ليس دفاعا عن حمدوك (2)

(1 )
معروف للجميع الظرف الذي عرفت الساحة السياسية فيه الدكتور عبد الله حمدوك، كما ان سيرته الذاتية مبذولة للجميع وهي سيرة باذخة توضح انه مؤهل أكاديميا وعمليا لأن يكون وزيرا للخارجية بامتياز، ولكن الضباب السياسي الذي كان ومازال منتشرا جعل ظهور شخصية قومية مستقلة صعبا، فكان طبيعيا ان يجد ترشيح حمدوك لرئاسة الحكومة الانتقالية قبولا واسعا ما كان يمكن ان يجده غيره، والشهادة لله فقد قدم الرجل نفسه للشعب السوداني في أول تصريح له هو يطأ أرض مطار الخرطوم قادما لأداء القسم، وفي أول لقاء تلفزيوني له مع الأستاذ فيصل محمد صالح وأول مؤتمر صحفي له، تقديما صريحا ليس فيه اي ادعاء أو تزود فقد قدم نفسه كشخصية وفاقية وليست صدامية وأوضح انه يريد شرعية قانونية ودولة مؤسسات أكثر من ميله للشرعية الثورية، وأنه لا يريد ان يستثني أحدا ولن يجامل أو يحمي مفسدا والأهم من كل هذا أن حمدوك ارتضى الصيغة العسكرية/ المدنية لتسيير الفترة الانتقالية، فدخل في تناغم مع الجانب العسكري ووصف التجربة بانها أنموذجية.
(2 )
الواضح ان خط حمدوك السياسي لم يعجب بعض مكونات الحرية والتغيير فكانوا مصرين على الشرعية الثورية ولكنهم في نفس الوقت لم يدعموا الحكومة كما ذكرنا في عمود الأمس فحصحصوا حتى المناصب المدنية، وحولوا الثوار الى معارضين ومدمنين لحرق اللساتك (المجد للساتك) وإغلاق الطرقات عوضا عن الإسهام في عمليات البناء وتركوا الدولة عاجزة (تهريب على عينك يا جمارك، لا حصائل للصادر , خدمات صفرية) عوضا عن تنظيفها وإصلاح أعطابها ودفعها للأمام حتى الإذاعة والتلفزيون الرسميتين تحولتا الى بوق ثوري معارض للحكومة، فركن حمدوك لمعرفته السابقة التي اصطلح على تسميتها (شلة المزرعة) فأصبحت مركز قوة ينازع قحت في الجهاز التنفيذي، وفي هذا الفراغ ظهرت مجموعة تغلب عليها الطفولة السياسية رفعت شعارا أجوف (شكرا حمدوك)، فأصبح مدعاة للسخرية مثل مقطع (جاتك كفاءة ياوطن) فلم يجد حمدوك منهم أي دعم عملي.
(3 )
لقد اتسع ضعف وشرذمة الجبهة الداخلية على راتق حمدوك، بينما كان العكس تماما على الجبهة الخارجية حيث وجد قبولا من كل الجهات التي كانت تحاصر السودان، ففتحت له الامم المتحدة أحضانها وصفق له الاتحاد الأروبي وأعطته الولايات المتحدة ريقا طيبا وبريطانيا حضنا دافئا، فكان لا يمكن ان يفوت هذه الفرصة على البلاد، فعمل على إخراج السودان من القائمة الأمريكية للدول الراعية للإرهاب، ثم سعى لفك الحصار الاقتصادي المطبق وفتح الطريق نحو المؤسسات المالية الدولية واقترب من مسألة الديون الشائكة فكان التوفيق حليفه فخرج السودان من القائمة وانفتح الطريق للمؤسسات المالية العالمية وانتهى الحصار وتم الاقتراب من قضية الديون ولكن بثمن غال وهو التطبيع والتتبيع ورفع الدعم واستقبال اليونتماس وتعويم الجنيه .والأسوأ ان ذلك العالم مثل النار لا يشبع كلما قدمت له يطلب المزيد.
(4 )
بهذا الذي تقدم من نقاط يصبح حمدوك في وضع لا يحسد عليه . جبهة داخلية مهترئة منقسمة يجر ثوبها أطراف متشاكسون كل في اتجاه فتوحل فيها ولم يفرض شخصيته الوفاقية ولم يحصل على عصاة ثورية يهز بها لأن الثوار تحولوا لمعارضين لحكومته وجبهة خارجية معبدة تحرك فيها بعيدا لكن مكر أولئك القوم جعل نجاحاته في هذه الجبهة لا ينعكس على الجبهة الداخلية، فكان هذا الوضع المأزوم والذي يقع بالضرورة على رأس حمدوك. ونواصل غدا إن شاء الله.

صحيفة السوداني

Exit mobile version