يوسف السندي
جاءت الحركة الشعبية للمفاوضات مع الحكومة الانتقالية وهي تتأبط كتابها الذي اعلنت عنه على صفحتها في الفيسبوك قبل حوالي العام والمسمى ( المبادئ فوق الدستورية، الطريق الصحيح لوحدة الدولة السودانية) والذي اصدرته سكرتارية التدريب والبحوث والتخطيط بالحركة الشعبية شمال، الكتاب يدعو إلى اعتماد مباديء دستورية ومباديء فوق دستوري، فوق دستورية بمعنى أنها بنود ثابتة في الدستور لا يمكن تبديلها او تغييرها في المستقبل في حال إجراء أي تعديلات على نصوص الدستور، وهي طريقة موجودة في دساتير دول متعددة وان اختلف أحيانا مسماها.
الكتاب اشتمل على عشرة مباديء دستورية وفوق دستورية هي، العلمانية، حق ممارسة الشعوب داخل الدولة السودانية لحق تقرير المصير، الديمقراطية التعددية، الفصل بين السلطات، الاعتراف بالتنوع وحسن إدارته، احترام المواثيق الدولية، اللامركزية، رفض التوجه الدكتاتوري الانقلابي، القوات النظامية، والقوات المسلحة السودانية.
معظم هذه المباديء لا خلاف عليها بين الفصائل السياسية وبين أبناء شعب السودان، التباينات ليست كثيرة وأولها في أسلوب طرح هذه المباديء، إذ يساوم الحلو على وحدة السودان بتطبيق هذه المباديء، أما تطبيقها او حق تقرير المصير!! وهو بهذه الطريقة يطبق المثل السوداني الشهير (يا تدري يا أكسر قرنك)، وهذا أسلوب مستفز جدا، وكان يجب أن ينتبه إليه مستشارو الحلو ويحاولوا ان يبعدوه عن هذا الأسلوب المتحدي، فالشعب السوداني لا يمكن تحديه او تهديده، وإذا وضعته امام خيارات عدمية، لن يحقق لك ما تريد وسيرد عليك بكل سهولة بالقول (أعلى مافي خيلك اركبه).
من اشهر البنود التي يطالب بها الحلو لتكون ضمن المباديء فوق الدستورية هي (العلمانية ) و (حق تقرير المصير )، العلمانية لم تكن مطلبا عند الحلو من قبل ، هي لم تكن من المطالب العليا للحركة الشعبية التي كان الحلو احد قادتها قبل انفصال الجنوب، الحركة الشعبية كانت تعتمد على دعم كنسي عالمي في حربها مع الدولة المركزية في السودان، والكنيسة معروف ان موقفها مضاد للعلمانية، لذلك لم يكن قرنق وجماعته يشتطون في المطالبة بالعلمانية على مستوى السودان، وفي مؤتمر أسمرا للقضايا المصيرية في عام ١٩٩٥ اعترفت الحركة الشعبية مع بقية كيانات التجمع الوطني الديمقراطي بأن السودان دولة متعددة الاعراق والثقافات والديانات، وأن المواطنة يجب أن تكون هي أساس الحقوق والواجبات.
عبدالعزيز الحلو شارك في حكومة الانقاذ عبر اتفاق السلام في ٢٠٠٥ واصبح نائبا لوالي جنوب كردفان، ويومها لم يسمع احد بان الحلو طالب بالعلمانية او حق المصير، فلماذا يطالب بها الآن؟ لماذا يحاول الحلو تحويل ثورة ديسمبر من اسقاط سلطة دينية إلى تثبيت سلطة بلا دين؟ وهل هذه التحول من النقيض إلى النقيض ناجح في إيقاف الحرب ام هو باعث جديد للتطرف والإرهاب؟!!
يسعى الحلو الى فرض معالجة أحادية الجانب لقضية الدين والدولة، رغم أن الواقع والتاريخ يثبت أن قضية الدين لم تكن اصلا من اسباب الصراع، الدولة السودانية تاريخيا لم تكن دولة دينية بالمفهوم الذي يحرم على الأديان الأخرى الوجود او يضيق عليها بل كان دولة مدنية وهذا ما دفع الكيزان إلى القيام بانقلاب من أجل إقامة دولة دينية، لتعديل ما اعتبروه انه ابتعاد للدولة والمجتمع عن رسالة الدين، وهذا المنهج المعتل حول الحرب مع الحركة الشعبية التي انطلقت منذ الخمسينات لمظالم مرتبطة بالسياسة والاقتصاد والمشاركة، إلى حرب دينية أضيف فيها الدين كعامل تفرقة، وهو موقف ذاتي من الحركة الإسلامية وليس موقفا عاما للشعب واحزابه، والدليل أن أكبر جماعتين اسلاميتين في السودان وهما جماعة الأنصار وجماعة الختمية رفضتا هذا المنهج المعيب، وحاربتاه بالسلاح، وكان لي شرف المشاركة في جيوش التجمع الوطني الديمقراطي في التسعينيات ومنازلة الإنقاذ بالسلاح من أجل عودة الديمقراطية والحريات.
موقف الحركة الشعبية بقيادة الحلو من فصل الدين والدولة في مفاوضات جوبا موقف متطرف، يشبه موقف الحركة الإسلامية عند انقلاب الإنقاذ، فكليهما يريدان لهذا السودان ان يكون في أقصى الاطراف، أما دولة دينية أو دولة بلا دين، شطط يقود البلاد غصبا عن ارادتها إلى الفشل كدولة واليأس والإحباط كشعب.
صحيفة السوداني