الحديث الذي أدلى به رئيس مجلس الوزراء بشـأن الأزمة السياسية في البلاد، ووصفه بأنها أزمة سياسية بالدرجة الأولى فتح البال واسعا أمام تكهنات الخروج من تلك الأزمة، ويبدو أن الوضع الداخلي لا يسر عدواً ولا صديقاً كما يقال، كثير من نادى بتدخل العقلاء لتصحيح الوضع الداخلي وإخراج البلاد من أزماتها المستفحلة، ورغم أن البعض ظل متفائلاً بعد الثورة والتغيير الذي حدث والإجماع الذي التف حول الحكومة والحاضنة السياسية إلا أنه بعد عام وجد أن المحصلة فشل في كل شيء باعتراف الجميع.
الوضع الداخلي كما يراه البعض يتجه نحو مصير مظلم وليس هناك على الأفق بريق أمل لحل سياسي، بعض السياسيين والمفكرين كانوا يرددون على استحياء إيجاد طريق ثالث ليس هو طريق الحرية والتغيير وليس طريق الاقصاء لأحد وإنما طريق يجمع الكل نحو هدف واحد للخروج من الأزمات.. يعتقدون بأنه من غير إجماع وطني لا يمكن للبلاد أن تنهض.
وفي المقابل ترى القوى الحاضنة أحقيتها في إدارة البلاد ولا تريد تكرار تجارب سابقة وبالتالي يشق عليها فتح النافذة للآخرين.
ولكن من ينظرون لهذا الوضع مثل ياسر عرمان والشفيع خضر ومناوي حتى عبد الواحد نور يرون ضرورة قيام مؤتمر جامع للسلام بالداخل للخروج من أزمة الدولة. لذلك الطريق الثالث هو طرح وسطي يدفع كبديل لنزاع قائم وهو في نفس الوقت نظرية قائمة للقبول بالآخر لتأسيس عمل سياسي قائم على الوسطية ومحاولة للبحث عن طريق جديد. إذًا هل الطريق الثالث سيصبح المخرج المرتجى لأزمات البلاد؟.
مناورات
يعتبر المحلل السياسي بروفيسور الفاتح محجوب مدير مركز الراصد، أن طرح مثل هذا النوع من الأفكار نوع من المغازلة أكثر من كونه طرحاً جاداً سواء جاء من مناوي أو عرمان أو غيره ، وقال لـ(الصيحة): هذا ليس طرحاً جاداً إنما نوع من المناورات السياسية لتحسين موقعهم في مسألة الحاضنة السياسية لجهة أن الحاضنة شبه مغلقة تسيطر عليها جماعات يسارية لا تريد فتح الحاضنة لاستيعاب آخرين، وبالتالي هذا الطرح غير مطروح، هؤلاء يريدون إعطاء القوى الجديدة نسب في السلطة مشاركين في أجهزتها بالتالي فتح الحاضنة السياسية هو ما لا ترغب فيه قوى الحرية والتغيير، وفي نفس الوقت القوى الجديدة لا تريد الدخول في صراع مع قوى التغيير، مشيراً لدعوة مناوي لتوسيع الحاضنة السياسية بتحالفه مع الحزب الاتحادي الأصل بالقاهرة، كذلك الجبهة الثورية لديها أذرع بالداخل، وتعلم أن اليسار يسيطر على مكونات قوى الحرية والتغيير، بالتالي الطريق الثالث نوع من المناورات لتحسين وضعيتهم في الهياكل الجديدة، وقال إن الاتحادي أفضل من أن يجري خلف هذا النوع من التحالفات، ويرى محجوب أن عرمان يعلم أنه لن يسمح له بهامش الحركة وأن ما قاله غير جاد، وأضاف أن البعض يرى أن الحكومة الحالية قد لا تصلح لإخراج البلاد من الأزمة، بالتالي لا بد من التصالح مع الآخر كالإسلاميين وهو ما ظل يطرحه الشفيع خضر عدة مرات، وكذلك الحاج وراق، ولكن على استحياء، بالإضافة لذلك توجد تفاهمات بين الشعبي مع بعض القوى، الأمر الآخر لا زالت قوى الحرية والتغيير لا تريد فتح الأمر للنقاش لأنها لا ترغب في تكرار تجربة أكتوبر 67 ولذلك لا تريد التفريط في الحكم الحالي، إذًا الطرح في هذا الوقت إنما هو مناورات ولا جديد فيه.
مقاربات نظم
ويرى القانوني د. أبو بكر عبد الرازق أن طبيعة المجتمع السوداني القائم على البعد القبلي تقتضي أن ينحو منحى جديدًا في الحكم لا هو عسكري ولا ديمقراطي وإنما البحث عن سبيل ثالث يقوم على نظام يوحد ما بين الحرية والنظام ويجب أن لا يكون الأول خصمًا على الآخر. وقال لـ(الصيحة): السودانيون مفتونون بالنظام العسكري القائم على النظام والالتزام والقدرة على الإنجاز، فيما يعرفون عن الحكم الديمقراطي البرلماني الضعف وقلة الهيبة ويظنون أن الأمر قائم. كذلك يظنون أن الإنجاز مرتبط بالعسكري، بالتالي الطريق الثالث كما يظنه البعض كمثل النموذج الأمريكي أو الفرنسي لسمة التقارب بين النظام الاجتماعي الفرنسي والسوداني.
نظم وخيارات
ويقول عبد الرازق: أمام السودانيين أن يختاروا النظام البرلماني الرئاسي الذي ينتخب من الشعب رئيساً بصلاحيات تنفيذية كاملة وبرلمان بصلاحيات رقابية ومحاسبية وتشريعية كاملة، بالتالي الخطوة أمام الناس الوصول إلى توافق وطني كامل دون إقصاء لأحد لجهة أن أي إقصاء يقود إلى الحكم العسكري الرابع بالبلاد وكل من تم إقصاؤهم في تاريخ السودان قاموا بانقلاب عسكري أجهضوا التجارب الديمقراطية السابقة، وقال: الآن الفرصة أمام إجماع وطني لحكومة يرأسها رجل غير منتمٍ لأي حزب سياسي ذي كفاءة، وتستمر الحكومة مدة عام انتقالي يهيأ فيها المسرح السياسي للتحول الديمقراطي كاملاً لصناعة مناخ الحريات يوضع فيها الدستور يقف فيها كل أهل السودان لتأسيس الدستور المقبل الذي يجيزه المجلس التأسيسي المنتخب يرعى الأصول التي يتواضع عليها الجميع، وقال: فوز أي من الأحزاب في الانتخابات سوف يراعي هذه الثوابت الكلية والسير نحو نظام ديمقراطي رئاسي.
عهد التكنوقراط
ويقول رئيس حزب الوسط الإسلامي المقيم بفرنسا د. يوسف الكوده لـ(الصيحة): أنا لا أعلم طريقاً ثالثًا يخرج البلاد من أزمتها بخلاف إعادة النظر في مكونات الحرية والتغيير وتوسعة الماعون بشركاء جدد من كافة الأحزاب السياسية حتى من شارك فى حقبة الانقاذ عدا المؤتمر الوطني وإبعاد ما صنعه البعض من مكونات ليست مرئية بل لا وجود حقيقى لها من مسميات وهمية لا يمثلها غير شخص واحد أو شخصين الغرض منها الهيمنة لفكر وتيار معين مع أهمية تكوين أجسام استشارية خارج الحرية والتغيير ترفد من يقوم بدور الحاضنة السياسة بآراء وأفكار مفيدة.
أما في ما يخص مجلس الوزراء فيفضل أن يكون مجلس الوزراء من تكنوقراط بعيدًا عن كل انتماءات حزبية، ليكون الدور الحزبي من مكون الحاضنة السياسية رأياً وفكراً لا موقعًا دستورياً، وتفعيل القانون ليتم كل تصرف من خلاله بعيداً عن ما تقوم به ما يعرف بلجنة تفكيك التمكين من إجراءات غير قانونية حسب رأيه، فالملكية الخاصة للأفراد لا تتحول من جهة إلى أخرى بقرارات ثورية وإنما بإجراءات قانونية من خلال أحكام قضائية. إضافة إلى عدم اعتماد أي محاصصات في عملية السلام إذ مطلوب من كل الحركات المسلحة بعد وضع السلاح الانخراط فى العملية السياسية بالتحول إلى أحزاب سياسية مع الاحتفاظ بحقها في المشاركة في الحاضنة السياسية الجديدة حتى تتمكن من عملية الإشراف والتوجيه فإنها ما كانت تقاتل لتنال غير ما حصل من تغيير شاركت فيه مع المواطن فلا حق لسوداني مميزاً عن الآخر ولا تكريم لمقاتل دون مقاتل، سواء كان القتال عن طريق السلاح أو عن الطريق المدنى الذي استعجل عملية التغيير وذهاب النظام البائد.
الخرطوم: صلاح مختار
صحيفة الصيحة