تجمع قوى الحرية والتغير أصبح الممثل الرسمي للشعب بعدما بدأ ثورته المجيدة في ديسمبر 2018، والتي دفع فيها ثمناً غالياً، ساهم مع الشعب في إسقاط نظام البشير، شكل لأول مرة أكبر تجمع سياسي يشهده السودان في تاريخه، ثم أصبح الحاضنة السياسية بحكم أنه يضم أحزاباً لها تجربة سياسية يعود عمرها إلى ما قبل الاستقلال، كانت توقعات الشعب أن تكون الأحزاب قد استعدت لقيادة مرحلة ما بعد البشير برؤية جديدة وبعد نظر، واتعظت من ماضيها المخزي،ويكون التجمع حاضنة مناسبة لرعاية مولود الثورة،ولكن اتضح أن الأحزاب ما زالت في ضلالها القديم، خيبتآمال الشعب مثلما فعلت خلال تاريخها الطويل.
بعد سقوط البشير بدأت أمراض الأحزاب القديمة، وأمراض المؤتمر الوطني نفسه تظهر في مكونات قوى الحرية والتغيير، الأنانية والمؤامرات والخلافات وسوء التفكير والتقدير والتدبير،ولهذا استطاع المجلس العسكري الذي هو جزء من النظام المخلوع أن يلف بهم في دوامة من المغالطات والمفاوضات انتهت بوثيقة دستورية أقل من طموح الشعب بكثير .
رغم كل ذلك رضي بها الشعب من أجل استعجال الانتقال للمرحلة التالية،وهي اختيار المجلس السيادي، ثم رئيس الوزراء والجهاز التنفيذي،وهنا ظهرت الأمراض بصورة أوضح،فقد عانى التجمع في اختيار أعضاء المجلس الخمسة، والوزراء وقضى وقتا طويلاً، وكما يقال تمخض الفيل فولد فاراً .
شاهد من أهلها هي الأستاذة عائشة موسى اعترفت أن المكون المدني في السيادي وفي كل مستويات الحكم وأغلبهم من التجمع طبعاً، مجرد جهاز تنفيذي لوجستي لا يشارك في صنع القرار بل يختم بالقبول فقط لقرارات معدة مسبقاً، وبلا شك القرارات يعدها العسكر .
ليس هذا كل شيء خطوات كثيرة تمكن فيها المكون العسكري من أن يهزمه رغم أنه جمع عدداً من أحزاب لها باع طويل في السياسة، بل ومعها كيانات مدنية يفترض أنها جمعت خيرة أبناء الوطن، من الذين يتمتعون بالعلم، والخبرة والفهم والحكمة، ولكن كلهم أخفقوا وظل التجمع يعاني من الخلافات والصراعات والانقسامات التي لا نجد لها أي تفسير منطقي، أو دافع غير المصالح والمآرب الشخصية،فمصلحة الوطن لا تتسبب في كل هذه الحرب بين أبنائه مهما بلغت درجة عداوتهم.
الآن وموقف البلد يزداد خطورة وتعقيداً وتأزماً، تزايدت حدة الخلافات داخل تجمع قوى الحرية والتغيير،بكل كيانته تلك عجزعن إجراء هيكلة لنفسه، وزاد المشهد السياسي إرباكاً، فازداد الشارع خوفاً وقلقاً من أن يكون التجمع سبب ضياع ثورته،لم تشفع عنده الخسارة التي دفعها الشعب، ولا أمله وعشمه فيهم،والآن ليس هناك مهدد للفترة الانتقالية أكبر من خلافات قوى الحرية والتغير، التي بلا شك ستشكل خطراً كبيراً على الوضع الخطير أصلاً.
نرجو أن يرتقي التجمع إلى مستوى المسؤولية، ويغير في نفسه حتى يمكنه إحداث التغيير، ففاقد الشيء لا يعطيه، أو فليتنحَ جانباً، وليذهب كل كيان يجهز نفسه للانتخابات، حتى يقنعنا أن له وزن سياسي،فالبلد بها الكثيرمن الكفاءات الصادقة التي يمكن لرئيس الوزراء أن يستعين بها حتى نعبر.
صحيفة الجريدة