كثيرا يسأل الناس ما هو أفضل نظام لسعر الصرف. الجواب المختصر هو أنه لا يوجد نظام مفضل.
يمكن لأي دولة أن تختار أي نظام ونجح اقتصاديًا. على سبيل المثال ، تتبنى الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد الأوروبي وسويسرا نظام صرف عائم بحرية شبه كاملة.
على الطرف الآخر، تتبنى المملكة العربية السعودية والإمارات العربية ودول خليجية أخرى نظام سعر صرف صارم الثبات وكلهم بخير.
وتبنت الصين في البداية نظام سعر صرف ثابت ثم زادت في مرونته السوقية مع الايام واحسنت الأداء في ظل النظامين.
ومعظم دول العالم تتبنى أنظمة سعر صرف تقع بين طرفي التعويم الحر والثبات الصارم وجلها يعمل بشكل جيد بمعنى أنه مهما كانت المشاكل التي تعاني منها، فإن نظام سعر الصرف ليس السبب.
يمكن أن يكون أي نظام سعر صرف ناجحًا للغاية بشرط أن تدعمه الحكومة بالسياسات المالية والنقدية المناسبة التي تتسق معه. في الوقت نفسه، يمكن أن يؤدي أي أو جميع أنظمة أسعار الصرف إلى كارثة إذا لم تكن السياسات المالية والنقدية متوافقة مع النظام المختار.
في الاقتصاد، لا توجد إجابة واحدة صحيحة لكل بلد وفي جميع الفترات الزمنية. يمكن أن تكون السياسة جيدة إذا كانت متسقة مع أجزاء أخرى من بنية السياسات الاقتصادية الكلية ويمكن أن تكون نفس السياسة خاطئة في سياق اخر يختلف فيه الإطار العام للسياسة الاقتصادية.
لذا فان الذي يستشهد بتجربة تعويم ناجحة في بلد اخر كمصر ويدعو لتبنيها يكشف عن جهل مريع حين يذهل عن اختلاف إطار السياسات الداعمة.
اذن لا افضلية لأحد أنظمة سعر الصرف على الأنظمة الأخرى لأن ما يهم بصوة حاسمة هو سياسات اقتصاد كلى سليمة ومتسقة لحماية أي نوع من الأنظمة تختاره الدولة المعنية، ثابتًا كان أو معوماً أو ما بينهما وتشمل هذه السياسات الانضباط المالي، ومصداقية السياسة النقدية.
والقطاع المالي المعافى.
ان ما أذهب ريح السودان ان صانع السياسة دائما اعتقد ان الحل يبدأ وينتهي في تبني نظام سعر صرف أو اخر ونسي تماما قضية السياسات المتسقة والداعمة لذلك فشلت وستفشل جميع الأنظمة ما لم يتسق نظام سعر الصرف مع السياسات المالية والنقدية.
لذلك ستخيب السياسة التي تبنتها الحكومة وسمتها بالتعويم المدار, مضافا اليه المزاد, لنفس سبب فشل سياسة سعر الصرف الثابت وهو عدم اتساقها مع السياسة المالية والنقدية لنظل كالمجنون الذي يجرب نفس الشيء للمرة الألف ويتوقع نتيجة مختلفة كل مرة.
للأسف ان صانعي السياسة في السودان ظلوا يلومون التجار والمضاربات ولا يعوا طبيعة المشكلة وجوهرها وهو عدم اتساق السياسات, وان وجود تجار العملة في حد ذاته ليس المشكلة وان المضاربات, ان وجدت, فهي عرض من أعراض غياب الاتساق والحل في علاج جذور المشكلة لا في مداقرة أعراضها.
لذلك فإن تصريح السيد الوزير سلك “أن المضاربات التي تُجرى هذه الأيام في أسواق العملات الأجنبية؛ تمثل حرباً ضد اقتصاد البلاد ومعاش الناس” لا يعول عليه. فالحرب علي اقتصاد البلاد والعباد تشنه الحكومة بسياساتها فاقدة الاتساق التي يصوب بعضها يمينا واخر يسارا وآخر نحو السماء حتى تمزق جسد الاقتصاد من انعدام المعرفة بما اشكل ومن غياب الإرادة السياسية الواجبة لإصلاح حقيقي يبدا بفهم طبيعة التحدي.
معتصم أقرع