أحمد يوسف التاي يكتب: دابـــــة الأرض

(1)
كفى بالمرء غباءً وبلهاً إن لم يستلهم العِبر من التجارب ودروس التأريخ، فالتجارب وأحداث التأريخ إنما وُجدت للعبرة والإعتبار ، وصدق من قال أن التأريخ يعيد نفسه ألا فأعتبروا يا أولي الألباب …في كل بلاد الدنيا وفي كل العصور منذ أن عرف الإنسان المجموعات الإدارية من القبيلة والكانتونات إلى

الدولة الحديثة كانت الخلافات والصراعات هي دابة الأرض التي تأكل المنسأة التي تتكيء عليها الدول والأنظمة وتهشُ بها على الرعية وخصوم الداخل وأعداء الخارج، وعندها تخِرُ العروش وتهوي إلى الأرض صريعة، وفي كل الأحوال يكون سبب السقوط هو استعار الخلافات والصراع على المواقع

والمكاسب …التأريخ يُحدثنا بكل صدق وموضوعية وبلغة لاتقبل الجدال والمغالطات أن سقوط الحكومات والأنظمة وإنهيار الدول لا يكون إلا بعد خلاف بين مكونات السطة الحاكمة وعناصرها بفعل الأطماع والطموحات و التنازع… وإذا ألقينا نظرة فاحصة لنهاية الدول والعهود والحقب نجد الخلافات هي

السبب المباشر في وضع فواصل النهاية واسدار الستار، وتظل الحكومات منيعة وعصية طالما ماكانت موحدة الصف والكلمة…
(2)
بعد اسبوع واحد من نجاح ثورة ديسمبرفي إطاحة حكم البشير كتبتُ مقالاً أشرتُ فيه أن أكبر خطر يمكن أن يتهدد الثورة هو بروز أي نوع من الصراع والخلافات بين عناصر الثورة وقواها السياسية الحيّة ، وهو خطر لايضاهيه تحركات «الفلول»، ولا الثورة المضادة، ليقيني أن الصدمة على كوادر

النظام المخلوع وقياداته كانت قاسية وقاتلة، ولأن النظام كان ساقطاً نفسياً ومعنوياً منذ فترة طويلة بفعل «دابة الأرض» التي أكلت منسأته حينما فاحت رائحة فساده الذي استشرى وسار به الركبان، وحينما دبّ الخلاف بين رأس النظام ورجال الحزب، هذا فضلاً عن عنصر المفاجأة الذي بدا أكثر قسوة

عليهم على نحو يحتاجون معه لاستجماع القوة والفواق من الصدمة إلى زمن طويل بينما الثورة تعزز قوتها وتستكمل انتصاراتها وتوحد صفها…
كنا نرى أن أكبر نصر تمنحه قوى الثورة للمتآمرين على الثورة هو الخلاف والصراع بين قوى الحراك الثوري بإعتبار أن نتائج ذلك سيكون الفشل والإرتباك والتنازع والتجاذب والمماحكات والوهن وضياع الهيبة الحسم والمحاصصات والتفريط في قيم الثورة وأهدافها مما قد يكون بمثابة ضخ للدم في

شرايين النظام الذي هوى صريعاً … فهل حدث ما توقعناه؟….
(3)
الآن التنازع والخلافات والصراعات تكاد تذهب بريح الثورة وتباعد بينها وأهدافها وشعاراتها وذكرى شهدائها الأليمة، لكنَ عزاؤنا أن الثورة فعل مستمر ، وأن الذين ثاروا على نظام البشير المستبد قادرون على تجديد العهد والثورة وتصحيح المسار وطرد الإنتهازيين والفاشلين والمتصارعين على جماجم

الموتى والشهداء…شباب السودان لم يقدموا الشهداء من أجل رفاهية الإنتهازيين وأصحاب الطموحات وبعض أرباب الأجندات الخبيثة القادمين من الملاجيء…وشعب السودان تحمل آلامه وأوجاعه وتجرع معاناته ليس من أجل سواد عيون الفاشلين والمتصارعين والعاطلين بل لأجل سلامة وطن واستقرار أمة

ورفاهية شعب وبناء دولة للعدل والمواطنة الحقة وإدارة الإختلاف والتنوع…يجب أن يكون ذلك واضحاً في أذهان القائمين على أمر الدولة وإلا فإن هذا الشعب لن ينتظر ولن يصبرأكثر، قدموا له أفضل ما عندكم من الكفاءات والخبرات وإلا فإنه سيُلحقكم بـ «إخوانكم» في كوبر فتكونون أنتم وهم

سواء………اللهم هذا قسمي فيما أملك…
نبضة أخيرة:
ضع نفسك دائماً في الموضع الذي تحب أن يراك فيه الله ، وثق أنه يراك في كل حين.

صحيفة الانتباهة

Exit mobile version