أكثر التغيرات الناجحة التي حدثت في السودان بعد ثورة ديسمبر المجيدة، كانت في علاقاته الخارجية، فقد تغيرت بالكامل تقريباً، وخرج من عزلتة الدولية الطويلة التي فعلت به ما فعلت بسرعة عكس ما يحدث بالداخل،وكل الدول الفاعلة في العالم أبدت رغبتها في التعاون معه ودعمه لتحقيق الانتقال بنجاح والخروج من مستنقع النظام المخلوع الآسن، وقد زاره عددٌ كبير من زعماء الدول ولاحت أمامه الكثير من الفرص الذهبية التي ما زالت تتقاطر عليه،ولكن تبقى الفرصة الحقيقية هي أن يثبت السودان أنه( قدرها).
بمبادرة من الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون انعقد هذا الاسبوع مؤتمر باريس لدعم السودان، وهو بمثابة منصة لاستقباله في صورته الجديدة ولتقديم الدعم الذي يمكنه من مقابلة تحديات الانتقال، حتى يستطيع أن يعبر بسلاسة ويكمل أهداف الثورة ببناء الدولة المدنية الديمقراطية التي يحلم بها الشعب .
حضر المؤتمر مجموعةٌ كبيرة من المسؤولين الأفارقة والعرب والأوروبيين، إضافة إلى المنظمات الإقليمية والدولية «الاتحاد الأوروبي، والجامعة العربية والاتحاد الأفريقي» «الأمم المتحدة» وعددٌ من الشركات والمؤسسات المالية الكبيرة التي تملك مقدرات مالية ضخمة، وخرج السودان من المؤتمر بمكتسبات عظيمة،وكل من شاهد المؤتمر يتأكد له أن العالم يستقبل عودة السودان بحفاوة كبيرة يجب أن يستغلها بذكاء وحكمة.
استعدت الحكومة السودانية للمؤتمر منذ فترة ليست بالقصيرة، وقالت إنها جهزت عدداً من الخطط والمشاريع الحيوية وعدلت قانون الاستثمار،وبين يديها أولويات الاستثمار في مجالات الزراعة والطاقة والتعدين والكهرباء والسياحة وغيرها،ولكن هناك مشكلة تعاني منها الحكومة السودانية وهي عدم القدرة على الاستفادة من الفرص الذهبية التي تتهيأ لها،بسبب ضعفها وما تعانيه من مشاكل وخلافات وعدم حسم فلول النظام المخلوع وتواجدهم في مؤسسات الدولة، والخوف كل الخوف أن لا تتمكن من الاستفادة من هذه الفرص وتتباطأ حتى نخسرها.
عموما يحب أن نحدد المشاكل التي يمكن أن تقف عائقاًأمام الاستفادة من مخرجات مؤتمر باريس،ويجب أن نكون واضحين جداً مع أنفسنا، مشكلة السودان الأساسية تكمن في عدم التوافق داخل قوى الحرية والتغيير من ناحية وبين شركاء الحكم من ناحية أخرى، بالإضافة الى الفوضى وغياب الأمن،والأهم من كل هذا هو سيطرة الجيش على البلد اقتصادياً وسياسياً ومقاومته التحول المدني، وهذه حقائق يجب مواجهتها بشجاعة،ولا أعتقد أن الأمر يخفى على السيد القائد الأعلى للقوات الشعب المسلحة الذي حضر مؤتمر باريس ورأى وسمع وقد تأكد أنه ليس فيه ما يمكن أن يؤكل للجيش غير أن يقوم بمهمته الأساسية، وهي العمل على توفير الأمن الذي يعتبر مهم جداً لكي تتمكن الدول من التعاون مع السودان ونستفيد من الفرص التي قدمها المؤتمر، ومن الاستقبال والترحاب ورغبة الدولة.
مؤتمر باريس فرصة تأريخية، يجب أن يتحد جميع السودانيون من أجل الاستفادة منها لأقصى حد، فهو غير أنه فرصة ذهبية هو اختبار للسودان الذي تفاءل به العالم، ولا خيار أمامنا غير أن نعمل جميعاً شعباً وحكومةً للفوز بالفرصة وكسب ثقة العالم.
صحيفة السوداني