ما بعد مؤتمر باريس..!

-١-
ما خرج إلى العلن من مؤتمر باريس – حتى كتابة هذا العمود – يُبشِّر بخير يطرق على الأبواب.

المؤتمر في ذاته وموضوعاته ومُستوى التمثيل، يُعتبر خطوة مُهمّة في اتّجاه انفتاح السودان على العالم، بعد ضيقّ وعسرٍ.

جذب الاستثمارات الكُبرى، والشروع في تنفيذ برامج البنى التحتية، وإعفاء الديون، سيسهم في دعم الاقتصاد والتنمية، وسيجعل سُودان الغَد أفضل من اليوم.

-٢-
لا أجد سبباً واحداً، يبرر تبخيس مساعي حكومة حمدوك الخارجية، والتقليل من شأنها والاستهزاء بجدواها.
مشاريع التنمية وتحسن الحياة الاقتصادية سيعود خيرها على الجميع.
مع كل سلبياتها وإخفاقاتها، أقامت حكومة الإنقاذ في سنوات حكمها الثلاثين، مشاريع استراتيجية، عاد نفعها على الجميع.
ومع كل أخطاء وقصور أداء حكومة حمدوك الانتقالية، وفشلها البائن في الملفات الداخلية، تبدو متقدمة بنجاح، في إدارة ملفاتها الخارجية.

-٣-
في التعامُل مع ما يُحقِّق المصالح العليا للدولة والمجتمع، يجب ألا يتم النظر عبر ثنائية التضاد (مع وضد).

الحكومات إلى زوال، وتبقى مصلحة البلاد والعباد العليا غير خاضعة للصراعات والمُماحكات السياسية.

-٤-
ما ظل يقعدنا عن النهوض، ويجرّنا إلى الوراء، ويضعنا في ذيل الدول، غياب مفهوم المصالح الوطنية العليا.
للأسف في صراعنا السياسي لا توجد ملاذات آمنة ولا خطوط وطنية حمراء، كل شيء في مرمى النيران.
عندما يصل المُعارضون إلى الحكم، يُمارسون ذات السلوك السياسي الذي مارسه سابقوهم: الفساد والمحسوبية وسُوء الإدارة والبطش بالخصوم.
وعندما ينتقل الحاكمون إلى المُعارضة، يستخدمون ذات الأسلحة الصدئة التي كانوا ينكرونها على مُعارضيهم، التخريب والتشويه والتحبيط.

-٥-
مع هذا النجاح الخارجي المنظور، لا بُدّ من الأخذ في الاعتبار حقيقة مهمة:
سيذهب دعم المجتمع الدولي هباءً وسدىً، إذا لم تكن البيئة الداخلية على استعداد لاقتناص الفرص الذهبية.
قالها الحكماء: الحظ هو ما ينتج عن مُلاقاة الاستعداد للفرصة، وقالها باولو كويلو: خُلقت الفُرص لكي تُقتنص على الفور..!

المشاريع التنموية، والاستثمارية الكبرى، تحتاج إلى مناخ ملائم وبيئة مُواتية وأرضية مستقرة ومؤسسات راسخة.
لن تنمو أشجار الاستثمار وتزهر وتثمر، مع تصاعُد غاز ثاني أكسيد التوتر والأزمات وإغلاق الطرق بالحجارة والأوساخ..!
لن يأتي المستثمرون إلى عاصمة تُعاني اختناقاً سياسياً حاداً، وبها خمسة جيوش.
خروج رصاصة واحدة من هنا أو هناك، كفيلٌ بتحويل الخرطوم لمقديشو ثانية.

لن يأمن المُستثمرون على أموالهم، مع غياب ثقافة احترام القانون، وسيادة أحكامه على الجميع دون فرز وتمييز.

لن ينصلح مناخ الاستثمار وأموال رجال الأعمال تهرب إلى الخارج، خوفاً من النزع والمُصادرة والحجز.
نزع ومصادرة وحجز، بقرارات سياسية جزافية، خارج دوائر القضاء وغير قابلة للمراجعة، لإغلاق باب المحكمة الدستورية بالضبة والمفتاح..!
لن تنهض مشاريع التنمية على أرض تُحاصرها الرمال المُتحرِّكة وتتوعّدها سُحُب الشر..!

-أخيراً-
على رئيس الوزراء أن يعود من باريس إلى الخرطوم بمشروع وطني جامع، يُطفئ بؤر التوتر ويردم مستنقعات الكراهية، ويجفف برك توالد الناموس والذباب..!
ما لم يحدث ذلك، فكل ما دونه هباء، فعطور الشانزليزيه ومساحيقها لن تنجح في تجميل وتعطير الواقع البئيس..!

ضياء الدين بلال
صحيفة السوداني

Exit mobile version